الأربعاء، 20 يوليو 2016

The Bourne Trilogy

الإعلان الدعائي للجزء الأول
ملحوظة: الكتابة التي بالخط الأحمر قد يكون بها حرق للأحداث لمن لم يشاهد السلسلة

كنت أرغب منذ انتهاء مشاهدتي للجزء الثالث من سلسلة بورن عام 2007 أن أكتب عنها وأن تكون إحدى مراجعاتي السينمائية في حال بدأت مجال الكتابة نظرًا للحكم الذي توصلت له عن هذه الثلاثية ولكني تثاقلت وبدأت الكتابة بعدها بسنوات عن ثلاثية فارس الظلام لنولان. وتجددت الرغبة عندما صدر الفيلم الرابع عام 2012 الذي كان بمثابة انعطافة في مسار السلسلة بعد أن اعتذرا عنها كلاهما بطلها مات ديمون ومخرجها بول جرينجراس. ولكني مرة أخرى انشغلت شخصيًا وبالتدوين عن أفلام أخرى. أما الآن ومع قرب نزول الجزء الخامس من السلسلة وكونه الفيلم الأكثر انتظارًا لي هذا العام 2016. فشعرت أنه حان الوقت ولابد أن أكتب عنها وحديثي هنا سوف يكون فقط عن الثلاثية التي بطلها مات ديمون من غير الجزء الرابع. وأعتقد أنه على الرغم من مرور تسع سنوات التي كانت ما بين رغبتي في الكتابة عن الثلاثية وموعد نزول الجزء الخامس، كانت فترة جيدة حتى أختبر حكمي عن الثلاثية مع الثلاثيات الأخرى التي كانت لي فرصة مشاهدتها ويبدو أنني ما زلت مصادقًا على رأي.

الثلاثية تدور حول جيسون بورن والذي يبدأ الجزء الأول بمشهد افتتاحي ينثر مجموعة من الأسئلة المتتالية على المشاهد وهي لماذا يطفو جسده في عرض البحر، ما سر الرصاصتين في ظهره، لماذا يوجد كبسولة صغيرة عن حساب بنكي مزروعة في جسده وأخيرًا فقدان ذاكرته. ويبدأ بورن رحلة البحث عن هويته وتنضم إليه فتاة – ماري - تعرف عليها مصادفة في محاولة لمساعدته. في الجزء الثاني على الرغم من أن بورن يبتعد إلى الهند بحثًا عن الهدوء والسلام. ولكن في الجهة الأخرى من العالم وبالتحديد برلين، كان هناك من يحيك مؤامرة لتوريطه مع الاستخبارات الأمريكية في إفشال أحد أهم عملياتها. ليبدأ بعدها بورن في رحلة البحث عن من قام بهذا الأمر والسبب وراء توريطه والذي جعل الاستخبارات الأمريكية تقوم بمطاردته من جديد. في الجزء الثالث يقرر بورن أن لا يتوقف في هذه المرة عن رحلة التنقيب عن ماضيه والعودة إلى بدايته وما جعله على الحال التي وصل إليها.

على الرغم أن الثلاثية محورها جيسون بورن ورحلته في البحث عن هويته والتنقيب عن ماضيه وبدايته ولكن السلسلة برمتها تلقي ضوء خافت على أمر هام وهو فكرة غسل الأدمغة وتزييف العقول والتي أيًا كانت بداية ممارستها إلا أنه أمر واقعي ما زال يحدث إلى الآن سواء على مستوى أجهزة كبرى كالاستخبارات الأمريكية مرورًا على مستوى الجماعات الدينية المتطرفة وحتى تصل إلى الإعلام اليومي الذي يتلقاه الفرد. والنتيجة في النهاية تصل إلى صنع آلة قتل بشرية مجرد من الإنسانية وخاضعة للأوامر دون منطق. آلة مستعدة للقتل دون مبرر متى ما استدعيت لذلك. هذه الفكرة التي قامت عليها السلسلة قامت بشد انتباهي ودفعتني للبحث عن مدى واقعيتها داخل أروقة الاستخبارات الأمريكية، وبالفعل كان مما وجدت فيلمًا وثائقيًا عن كيف أنها قامت لعقود بتبني برنامج سري يقوم على غسل أدمغة من ينضموا إليه والدفع بهم للقيام بعمليات اغتيال بحجة حماية الوطن وإنقاذ لأرواح المواطنين وتعمل على تدريبهم وتطوير قدراتهم القتالية.

الإعلان الدعائي للجزء الثاني
من المعروف أن أفلام بورن مبنية على سلسلة روايات بنفس أسماء الأفلام التي صدرت حتى عام 2012 حيث طرحت أول رواية عام 1980. مبتكر الشخصية ومؤلف الروايات الثلاث الأولى كان الكاتب روبرت لدلم والذي كان أيضًا منتج تنفيذي للجزء الأول وتوفي في مرحلة ما بعد إنتاج الفيلم عام 2001. واستمرت بعد ذلك سلسلة الروايات من تأليف إريك فان حتى وصلت إلى 13 رواية مع العام الحالي 2016. ومع ذلك فإن القائمين على نص الفيلم وبالتحديد توني جيلروي - الذي كان العنصر الأساسي والثابت في سيناريو السلسلة - لم يعملوا على اقتباس الروايات كما ذكروا في تصريحهم. فالجزء الأول كانت الاقتباسة فيه فضفاضة وأما باقي الأجزاء فتم كتابة سيناريو أصلي لها وتم الاكتفاء بعناوين الروايات. الأمر الهام الذي كان في نص الثلاثية أنه في كل جزء منها كانوا يحتفظوا بسؤال كبير في ماضي بورن. فالجزء الأول كان يبحث فيه بورن عن هويته وفي الثاني كان يسعى خلف كوابيس مهمته الأولى التي أنجزها بعد انتهاء تدريبه وفي الثالث كان السؤال الأهم وهو كيف ولماذا انضم إلى برنامج الاستخبارات الأمريكية السري لتجنيده. كما أن لعبة المطاردة كانت متبادلة على مستوى الثلاث أجزاء. في الجزء الأول كانت الاستخبارات تسعى خلف بورن لخروجه عن عباءتهم. بينما في الجزء الثاني فكان بورن متفوقًا بخطوة دائمًا عليهم وأخيرًا في الجزء الثالث كانت الطرفان دائمًا ما يلتقيا في مطاردتهم عند هدف مشترك كما حدث في بداية الفيلم مع الصحفي سيمون روز وفي منتصفه مع نيل دانيالز وفي نهاية الفيلم باميلا لاندي. فضلًا عن الثيمات المشتركة في الثلاثة أفلام حيث في كل منها تجد بورن يتنقل بين عدة مدن ويواجه عميلين قاتلين مثله من الاستخبارات الأمريكية وتسعى شرطة المدينة خلفه وأخيرًا مطاردة مثير بالسيارات. وما جعل السلسلة مميزة عن كثير من أفلام الحركة البحتة هي اللمسة الدرامية الحاضرة في كل جزء والنابعة من معاناة شخصية بورن وليس مجرد إقحام لها. وكانت تتجسد في مشاهد مثل علاقته مع حبيبته ماري. وذهابه في نهاية الجزء الثاني إلى منزل الفتاة الروسية التي قتل والديها وحواره مع نيكي في الجزء الثالث الذي يعبر في عن حالة اليأس التي وصلت إليها وأخيرًا مشهد عودته إلى بدايته في نهاية الجزء الثالث.

ومع ذلك يتركني السيناريو مع بعض الأسئلة التي لم أجد إجابة لها وأولها في الجزء الثاني كيف عرف بورن بمكان قاتل تريدستون مثيله في ميونخ؟ وفي الجزء الثالث لماذا أراد نيل دانيالز أحد مؤسسي البرنامج السري للاستخبارات الأمريكية أن يقوم بإفشاء أسرار الوكالة إلى صحفي؟ وأخيرًا كيف استطاع بورن أيضًا في الجزء الثالث أن يدخل مبنى المخابرات الأمريكية ويصل لمكتب نواه فونسون على الرغم من أنه من المفترض أن يكون مبنى مشدد الحماية وحتى مع فرضية أن نص الفيلم ذهب إلى النتيجة النهائية وهي وصول بورن إلى المكتب بغض النظر عن الطريقة فإن تصويرها يلبي نوعًا من الفضول عندي شخصيًا. كما أن العلاقة بين جيسون بورن ونيكي في الماضي لم يتم إيضاحها في حوارهم في الجزء الثالث عندما يسألها بورن لماذا تريد أن تساعده. ومع ذلك فإن المخرج بول جرينجراس صرح أن هذه العلاقة كانت متعمد ومهم تصويرها بالرغم مع إبقائها غامضة.

نأتي الآن إلى الأداء التمثيلي وبالـتأكيد فإن لب الحديث سوف يكون عن الشخصية المحورية في الثلاثية مع التقدير لأداء باقي الطاقم من ممثلين بعضهم نجوم كبار مثل كريس كوبر وجون آلين. مات ديمون كان على الموعد ليسطر شخصية سينمائية كأيقونة في هوليوود وهي جيسون بورن. مات ديمون كان حاضرًا للشخصية أولًا على المستوى البدني وخاصة إذا ما علمنا أنه قام بالاستعداد والتدريب على أسلوب القتال للشخصية وحمل السلاح خلال ثلاثة أشهر قبل الشروع في تصوير أول أجزاء السلسلة. وكما أنه تدرب على مشاهد القيادة لمطاردات السيارات التي حدثت وأخص بالذكر هنا في الجزء الثالث. وكان حريص على أداء أكثر المشاهد بنفسه. ولكن الجانب الأهم هو الحضور النفسي لديمون في أداء الشخصية وتطوره معها وتجسيده مراحل نفسية مختلفة لها خلال أحداث الثلاثية. فتجده في الجزء الأول تائه وضائع بفقدان هويته وفي الثاني غارقًا في كوابيس ماضيه وفي الثالث وصوله لحالة اليأس من ذاته بشأن ما قام به في الماضي ويبحث عن عودة إنسانيته في عدة مشاهد. وتشعر بكل هذه الحالات والمعاناة التي تمر بها الشخصية من خلال تعابير وجهه ونظراته. بالنسبة لي هذا الأداء الأبرز له بجانب دوره الذي أكسبه الأوسكار بداية مسيرته السينمائية في فيلمه الشهير Good Will Hunting.

لاشك أن إخراج سلسلة حركة مثل بورن يتطلب عمل إخراجي استثنائي لما يحويه من مشاهد قتال، مطاردات بالسيارات، والتعامل مع مواقع تصوير في مدن مختلفة حول العالم مع اكتظاظ بعضها بالعامة كما هو الحال عند التصوير في محطة لندن للقطارات ومدينة طنجة في المغرب. تصدى لمهمة الإخراج في الجزء الأول المخرج دوج ليمان الذي كانت تجاربه قبل هذا الفيلم عبارة عن أفلام بسيطة. ولكنه أثبت علو كعبه في إخراج هذا الجزء ليتصدى بعدها لإخراج أفلام حركة شهيرة مثل Mr. & Ms. Smith و Jumper و Edge of Tomorrow. ليمان القادم من خلفية الأفلام المستقلة جعلته حريص على أن يمسك تدوير عدسة كاميرا الفيلم بنفسه بدلًا من الجلوس خلف شاشة لمشاهدة التصوير ليبني شعور ارتباطي أقوى مع طاقمه التمثيلي والنص لما يريد إيصاله في رؤيته الإخراجية. وجاء بعده لإخراج الجزأين التاليين المخرج البريطاني بول جرينجراس والذي ترشح للأوسكار عن فيلمه United 93. بول نجح في الارتقاء بالمستوى الإخراجي للسلسلة وصولًا إلى الجزء الثالث وبالأخص أذكر مشهد المطاردة التي حدثت في محطة قطار لندن والتي تنقلت فيها كاميرا التصوير بطريقة أشبه بالأفلام الوثائقية التي تسعى خلف الحدث. وهذا ليس بغريب عليه بحكم خلفيته الإخراجية في الأفلام الوثائقية بداية مسيرته. وإبداعه في إخراج مشهد المطاردة فوق أسطح البنايات في المغرب. وكان هناك حرص منه على إخراج واقعي بعيد عن المؤثرات البصرية في كل مشاهد الحركة والقتال ومطاردة السيارات وأترك الحكم لمن يرى مشاهد السلسلة خلف الكواليس على اليوتيوب.

ومن المستحيل أن أنسى أحد أهم العناصر الأساسية المميزة في السلسلة وهي الموسيقى التصويرية من جون باول والتي كانت من أروع ما سمعت وعلق في ذهني على مدار مشاهداتي السينمائية. فكل مقطوعة موسيقية كانت حاضرة تمامًا لتعطي إيحاء بطبيعة المشهد من درامي أو حركي وتدمجك شعوريًا معه وشخصيًا عندما أتذكر بعض المشاهد فيحضر معه في ذاكرتي معزوفته الخاصة وبالأخص المعزوفة التي في الرابط التالي Jason Bourne Soundtrack

أخيرًا كان من الصعب أن أقوم بكتابة مراجعة عن كل فيلم على حدة من ثلاثية بورن. لأن كل جزء يشكل مع الآخر فيلمًا أكبر. فتشعر أن الجزء الأول برمته ما هو إلا مجرد بداية لفيلم تتصاعد أحداثه في المنتصف وأقصد هنا الجزء الثاني وتبلغ الإثارة ذروتها مع النهاية المتمثلة في الجزء الثالث. بل حتى أداء مات دامون لشخصية البطل الرئيسية جيسون بورن فلا تستطيع الحكم عليها إلا بعد أن تكتمل لوحة المشاعر النفسية المختلفة التي تمر بها في الثلاث أجزاء حتى تصل إلى الجملة الأخيرة التي يقولها في نهاية الجزء الثالث. وأخيرًا مع تصاعد الأحداث وترنيمة الإثارة، تتعقد مشاهد الحركة بشكل أكبر ونجد إخراج أكثر روعة في التصدي لها. لأصل في النهاية إلى قناعة شخصية بأنها أفضل ثلاثية شاهدتها يكون مستواها في تصاعد على جميع الجوانب الفنية مع العلم أن تقييم جزئها الثالث على مواقع IMDB و Rotten Tomatoes و Metacritic هو الأعلى وتم ترشيحه لثلاث جوائز أوسكار حصل عليها جميعها.

أترككم مع رابط لفيلم وثائقي باللغة العربية والإنجليزية لحقيقة ثلاثية بورن في الواقع. وأتمنى أن يكون الجزء الخامس القادم والفيلم الرابع لمات ديمون على قدر انتظار عودته.