الخميس، 3 أغسطس 2023

Oppenheimer

 

لم أعد أكترث وأهتم كثيرًا بمشاهدة الإعلانات الدعائية ولا تتبع أخبار الأفلام المتحمس لها وذلك حتى لا أعشم نفسي وخاصة إذا كان الفيلم لمخرج كبير أنا أحبه وأعشقه وأقدر أعماله مثل كريستوفر نولان الذي لم أشاهد سوى أول إعلان دعائي تشويقي (Teaser Trailer) لفيلمه الجديد Oppenheimer ولا يتجاوز الدقيقتين كما هو عُرف هوليوود في الإعلانات الدعائية التشويقية. أضف إلى ذلك كثرة الأخبار والأقاويل عما سوف يصنعه نولان في فيلمه القادم وخلف الكواليس وحشو للدماغ مبكر عن عظمة الفيلم قبل عرضه. مقابل انخفاض سقف توقعاتي مع آخر فيلمين له وهي Dunkirk الذي أقر له وأحترم رؤيته الإخراجية فيه وفيلم Tenet الذي كان فعليًا مخيب للأمال بالنسبة لي وتذيل بسهولة قائمتي لأفلام نولان وسبق كتبت عن كلا الفيلمين مراجعة مفصلة عن رأي بهما. 

كان هناك عوامل أكثر من مجرد أنه عمل لنولان حمستني للفيلم وهي أنه عن شخصية لم أكن أعرف عنها شيئًا وأول تجربة فيلم سيرة ذاتية لنولان وطاقم العمل الذي لا تتوقع منه أقل من أداءات رائعة. وكانت النتيجة خرجت من قاعة السينما سعيد ومبسوط ومنتشي وغارق في الأفكار ومستطرد في الحديث عن الفيلم وأخذني في رحلة لتتبع شخصية أوبنهايمر أكثر وعن نهاية الحرب العالمية الثانية التي ما زالت تشوبها العديد من الأسئلة أقلها من ضوء معرفتي المتواضعة مرورًا بمشاهدتي للفيلم مرة ثانية لأستمتع به أكثر.

الفيلم من اسمه يحكي عن عالم فيزياء الكم الأمريكي روبرت أوبنهايمر ورحلته أثناء توليه قيادة مشروع منهاتن الشهير لصناعة القنبلة النووية في سباق مع الزمن ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وتوابع ذلك عليه مع ماضيه الذي يسبق توليه المشروع. 

بداية الفيلم عبارة عن تنقلات سريعة في محطات من حياة أوبنهايمر حتى عودته إلى أمريكا جعلتني أتوجس وأشعر أن نولان سوف يقدم شظايا متناثرة عن حياة أوبنهايمر لن أستشعرها وخاصة مع رغبته في تقديم فيلم سيرة ذاتية شبه متكامل عنه وهو تحدي أصلًا دائمًا صعب لأي صانع عمل سينمائي ونادرًا ما ينجح أن تختزل سيرة شخصية في فيلم أيًا كانت مدته والأفضل دائمًا هو التركيز على مرحلة أو حدث مهم من حياة الشخصية.

ولكن في الحقيقة أن هذه الشظايا ما لبثت إلى أن تكشف لنا كل ما نحتاج معرفته عن شخصية أوبنهايمر وفي تفاصيل أحيانا جمالية على صعيد الصورة أو الرمزية المصاحبة لموسيقى تصويرية رائعة (تسلسل ذهابه لجامعة جوتينج) إن كان فيما يتعلق بخلفية أسرته واضطرابه الذهني وهوسه بفيزياء الكم وتحديه لذاته مع مسحة من غروره. مرورًا بعد ذلك برحلة عودته إلى أمريكا وبداية إدخاله وتعليمه فيزياء الكم هناك وأيدولوجياته وعلاقاته انتهاء برحلة صناعة القنبلة.

قد يبدو السرد الذي ذكرته بالأعلى بسيطًا ولكن طبعًا يا عزيزي القارئ إن كنت عارفًا بالشيخ نولان فسوف يكون من الحمق أن تدخل فيلم له كالعادة دون أن تتوقع ألا يكون فيه منخوليه (كما يٌقال بالعامية) وهنا يتلاعب بالخط الزمني للأحداث وطريقة السرد للفيلم. فرحلة وسيرة أوبنهايمر تتداخل فيها 5 خطوط زمنية رئيسية مع خطوط فرعية بسيطة أخرى تتنقل ما بين الماضي والحاضر. بين ماضي أوبنهايمر ورحلة صناعة القنبلة النووية وحاضر أوبنهايمر في توابع ما بعد صناعة القنبلة ووجهة نظر شخصية عضو الكونجرس لويس ستراس عنه مع استخدام لأداة الألوان للتعبير والتفريق بين المشاهد التي من منظور أوبنهايمر (الملونة) والمشاهد التي من منظور لويس ستراس (الأبيض والأسود).

وفي الحقيقة لم يكن ليكون هناك طريقة لإضفاء طابع الإثارة على الفيلم أكثر من استخدام هذه الطريقة حتى تبقى مشدود معه وتتكشف الحقائق وكما قال نولان لا تشويق يُرجى من سرد سيرة ذاتية بشكل خطي لا يحمل في طياته الغموض. وطريقة السرد هذه Non Linear ذكرتني بنفس الطريقة لأول فيلم شهير له وهو Momento وفيلم المخرج ديفيد فينشير The Social Network في ما يتعلق بالتنقل بين سيرة الشخصية في الماضي وجلسات الاستماع المختلفة في الحاضر.

السؤال المتداول كثيرًا هل حاول نولان تلميع أوبنهايمر وإصباغ البراءة عليه؟ في الحقيقة أني خرجت شخصيًا من الفيلم لا احمل تعاطف لشخصية أوبنهايمر ولكن أقرب مع يكون إلى التفهم الحقيقي لدوافعه في بناء القنبلة وفكرة شعور انسان بالندم على ما اقترفه ولحظة الإدراك التي يتداعى فيها عالمه وتسقط معه كل الأسباب المنطقية والشعورية التي كانت تدفعه لقرار فيه آخذ لروح انسان وخاصة لشخصية مضربة مثله. الفيلم نفسه لم يبرؤه في مواضع كثيرة وعلى ألسن شخصيات عديدة بعد صناعته القنبلة سواء أنه يحاول استجداء التعاطف أو أنه كانت لديه الفرصة في الاعتراض على استخدامها بعد صنعها أو أنه يحاول أن يكون شهيدًا تحت ألسن الآخرين للتكفير عن ذنبه أو عدم منطقية تغير وجهة نظره. إن كان هناك شعور بعثه لي الفيلم هو الشعور بالتقزز في المشهد الذي تم الاجتماع فيه مع وزير الحربية الأمريكي يتم فيه النقاش بشكل مقرف في أي مدن اليابان يتم رمي القنبلة النووية عليها وكأنهم يختاروا مكان للتنزه. 

على صعيد الأداءات أستطيع أن أقول إنه ثاني فيلم لنولان بعد فيلم Interstellar يحمل ثقل في الأداءات بالمقارنة مع باقي أفلامه التي كما أقول دائمًا يكون بطلها الفكرة أكثر من الممثلين ولكن مع ذلك لا أستطيع أقول أني خرجت مبهور من الأداءات وأتطلع للعودة لرؤية مشاهد تمثيلية بعينها أو حتى أضع أحدهم على مشارف الفور بالجوائز رغم الكلام المتصاعد في توقع ترشيح أوسكاري لأداء روبرت داوني جونيور في شخصية لويس ستراس. وقد يكون سبب أصلا اعجاب الناس بأدائه - رغم أنه ممثل ممتاز لا غبار عليه - هو قضائه فوق العقد في أفلام مارفل تحت عباءة شخصية الرجل الحديدي وحتى روبرت داوني جونيور نفسه اعترف من تخوفه أنه فقد قدراته في التمثيل لانغماسه في هذا العالم.

كذلك أداء كليان مرفي في شخصية أوبنهايمر وعلى الرغم من تعقيد الشخصية وقدرته فعليًا على إيصال كل شعور بخصوصها ولكن يحمل سمات من نفس شخصيته الشهيرة توماس شيلبي من مسلسل Peaky Blinders. الشخصية المضطربة نفسيًا وذهنيًا، عبقرية، زير نساء، لديه غرور وتعجرف واعتداد بنفسه مع سقوط في هاوية الشعور بالذنب. أما باقي الأداءات فأدت ما عليها سواء إيميلي بلانت، مات دايمون، فلورانس بيو فاستطاعت أن توصل ما هو مطلوب منها كشخصيات مساندة. لعل الدور الذي برز ولفتني من غير استقصاد هو أداء الممثل جيسون كلارك في شخصية المحقق روجر روب. أما ظهور رامي مالك وكيسي أفليك فكان عادي ولن يفرق معهم أدوراهم هذه في فيلم لنولان في مسيرتهم التي طفأت بعد حصولهم على الأوسكار وأخيرًا كان هناك ظهور مميز لجاري أولدمان كغالبية أينما حل.

على الرغم من غياب هانز زيمر للمرة الثانية على التوالي في عمل الموسيقى التصويرية لفيلم نولان بعد أن سطر روائع موسيقية تاريخية معه ولكن حقيقة أن التعاون الثاني للسويدي لودفيج جورانسون مع نولان بعد فيلم Tenet شهد مقاطع موسيقية غاية في الروعة والجمال في هذا الفيلم مبنية في أغلبها على الكمان أضع بعضها في آخر المراجعة وسوف يتم تداولها كثيرًا.

على الصعيد الإخراجي لا أستطيع أن أقول أني خرجت مبهور بصريًا مع عدم إنكار وجود بعض المشهديات لذلك ولكن يمكن لأني أقارنه بأفلام نولان الأخرى ولكن بلا شك أنه على مستوى السرد والإيقاع وإضفاء حس الإثارة وبعض التسلسلات بما فيها تسلسل مشهد اختبار القنبلة Trinity Test كان ممتاز جدًا.

فيلم أوبنهايمر هو فيلم نشهد فيه عودة نولان إلى رشده وتكفير عما قدمه في آخر أفلامه Tenet. فيلم غاية في المتعة يلاعبك به نولان على مستوى الزمن في طريقة السرد ولكن لا تفقد جوهره والدراما التي به مع مشهد نهاية وقع فيه نولان رسالته الأخيرة كيف كان لحدث القنبلة النووية أن يغير التاريخ للأبد مع تصاعد موسيقى Destroyer of the Worlds.

وصدق الممثل مات دامون عندما قال أن نولان هو المخرج الذي يقدم سينما عبارة عن خليط من الفن والأفكار العلمية والخيال والأفكار الهندسية في تصميم الإنتاج وتطوير عجلة تقنية الإنتاج السينمائي.

أبرز مقاطع الموسيقى التصويرية للعمل:

1)    A Lowly Shoe Salesman

2)    Quantum Mechanics

3)    Destroyer of the Worlds

4)    Can you Hear the Music

5)    Oppenheimer

6)    American Prometheus 

بعض المقاطع الجيدة التي صادفتها وأنا أبحث وأقرأ عن أوبنهايمر والحرب العالمية الثانية:

1)    Oppenheimer vs Heisenberg

2)    The 5 Atomic Pumps Ready to be Dropped in Japan

3)    Did Japan Surrender because of the Atomic Bomb?

4)    What Happened to Lewis Strauss after the Events of Oppenheimer

5)    Everything Oppenheimer Gets Right And Wrong About The True Story

6)    Top 10 Things Oppenheimer Got Factually Right

7)    Oppenheimer Famous Speech Being Destroyer of the Worlds

8)    الدحيح أوبنهايمر