الأربعاء، 22 يوليو 2015

Still Alice

بطاقة الفيلم:
النوع: دراما
إخراج وكتابة: Richard Glatzer, Wash Westmoreland
الطاقم التمثيلي: Julianne Moore, Alec Baldwin, Kristen Stewart 
مدة الفيلم: 101 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 20 فبراير 2015
ميزانية الإنتاج: 5000,000 دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 18,565,400$
الإعلان الدعائي 



الزهايمر، المرض الذي بالـتأكيد مر على أسماع الكثير منا في الأعوام الأخيرة. كثيرًا ما نقرأ عنه في طيات الصحف وعلى مواقع الانترت. كثيرًا ما نسمع عنه في أثير الإذاعات وقنوات التلفاز الإخبارية منها وغيرها. المرض الذي أصبح من أكثر الأمراض سرعة في الانتشار - بالأخص لدى كبار السن - وأضحى يؤرق البشرية في السنوات الأخيرة. المرض الذي تكثفت الدراسات الطبية لعلاجه وتعمل على الحد منه والتقليل من آثره. المرض الذي يشهد كل عام بتاريخ 21 سيبتمبر تذكير به وبآلامه ومرضاه. ولكن السؤال الهام هنا هل شهدنا جميعًا وعايشنا حالات بشكل مباشر لأفراد يعانون من هذا الداء. الزهايمر هو محور قصة فيلمنا الذي سوف نتحدث عنه Still Alice.

آليس هولاند (جوليان مور) الدكتورة الجامعية ذات المسيرة المهنية المرموقة والتي قامت بكتابة الكثير من المؤلفات وجالت العالم لإلقاء المحاضرات في تخصصها. كما أنها تحظى بحياة أسرية رائعة كزوجة لأستاذ جامعي أيضًا جون هولاند (آليك بالدوان) وكأم لابن وابنتين. سرعان ما يباغتها الزهايمر ليقلب حياتها وحياة أسرتها رأسًا على عقب. الفيلم الذي هو كحال المرض الذي أصاب آليس لم يستدعي الكثير من المقدمات لنتعرف من أول مشهد على آليس وأسرتها وسعادتها واهتمام كل فرد منها وما يواجه من مشاكل حياتية. ومن ثاني مشهد تبدأ علامات المرض صغيرة ومن ثم تكبر شيئًا فشيئًا ليأخذنا الفيلم في رحلة مع آليس لمعاناتها بشكل تدريجي في عملية أشبه بالموت البطئ. ومما يزيد الأمور تعقيدًا هو إصاية آليس بالمرض في سن مبكرة عن خمسين عامًا وهو أمر نادر جدًا في حالة تعرف بالزهايمر المبكر. فضلأ عن أن إصابتها وراثية فاحتمالية انتقال المرض لأبنائها بنسبة كبيرة جدًا.

لقد بدأت مقدمة مراجعتي السابقة عن فيلم Nightcrawler بأنها جميلة هي الأفلام التي تكشف عن واقع لا تعرف كواليسه وجل علاقتك به هو ما تقرأه أو تسمعه عنه. ومع زخم الإنتاج السينمائي في هوليوود كل عام والملئ بأفلام الخيال العلمي والأبطال الخارقين والكوميديا، فإن عدد هذه الأفلام قليل ويتكثف عرضها على نهاية العام لموسم الجوائز. فيلم Still Alice هو من هذه الأفلام القليلة التي تثبت أن لغة الفن والسينما بشكل خاص لها أثرها وقوتها في معايشة الواقع وبل ما يميزها عن أي لغة أخرى هو جمال عرضها ومتعة التأمل في مشاهدها وحوارتها وتجسيد شخصياتها. الفيلم وضعني حرفيًا في موقع آليس وجعلني أفكر وأطرح الكثير من التساؤلات، تخيل معي أن يصيبك ضمور في ذاكرتك؟ عدم القدرة على أداء أبسط المهام الروتينية العادية اليومية، تعجز عن تذكر المفردات، تتيه في مفترق الطرقات، تعجز عن الوصول للأماكن التي تحتاجها، لا تستطيع قول ما تريد، تنسى من التقيت بهم في التو واللحظة وبل من قد التقيت بهم سابقًا، تتضمحل ذكرياتك وتفقد جزء أو كل شريط حياتك، أن تصبح عالة على الآخرين، أن تكون أسير مكان واحد، أن تخشى مواجهة المجتمع هربًا من عدم القدرة على إجابة الأسئلة وأن تتمنى آخيرًا الرحيل عن الحياة على أن تبقى بين الحياة والموت.

مريض الزهايمر ليس كأي مريض آخر فهو مرض عضال ليس له علاج. فإذا ما تحدثت عن أمثلة لأكبر أمراض العصر المستعصية، فهو ليس كمريض السرطان الذي ما زالت جميع أعضاء الجسم قادرة على القيام بهامها أو حتى كمريض الإيدز الذي يفقد جهاز المناعي ولكنه لا يزال غير أسير للتساؤلات التي طرحتها بالأعلى عن مريض الزهايمرالذي يٌفقد هنا قدرة أحد أهم أعضاء الجسد على القيام بعمليته وهي التذكر. الذاكرة التي هي بمثابة شريط التسجيل للحياة من معرفة وذكريات وأشخاص. ولذلك كان الاهتمام أجدى وأكثر تطلبًا لمريض الزهايمر ممن حوله، وهذا الأمر ينطبق على سائر أصحاب الأمراض الذهنية الأخرى التي تصيب عقل الإنسان. وقد نتذكر هنا حالة جون ناش الذهنية في فيلمA Beautiful Mind للممثل الكبير راسل كرو وما استدعته حالته من اهتمام كبير من زوجته نتاشا. فيلم Still Alice لم يغفل عن هذا الجانب، بل أن قصة اهتمام أسرة آليس لها كانت هي المحور الأكبر والحاضنة لمحور أصغر وهو معاناة الزهايمر سواء للمريض أو لمن حوله. 


من منا عشاق السينما لا يعرف جوليان مور البالغة من العمر 50 عامًا والتي بدأت شهرتها مع سلفيستر ستالون في فيلم The Assassins وانطلقت بعدها نحو مسيرة هوليوودية كبيرة يشهد لها الكثيرين وترشحت من خلالها عن أربع جوائز أوسكار وكان اثنان منها في عام واحد وهو 2002 الذي شاهدت فيه أدائها الجميل عن فيلم The Hours. في الحقيقة أنه عندما اكتسحت جوليان مور الجوائز لهذا العام عن دورها في Still Alice ومن بينها اقتناصها للأوسكار عن ترشيحها الخامس، كان يدور في ذهني أنه لعله أوسكار ملفوف بغطاء التكريم لمسيرتها المهنية أكثر من أنه استحقاق عن دورها في هذا الفيلم. ولكن والحق يُقال أن جوليان مور استحقت الجائزة عن أدائها باقتدار. مور جعلتني حرفيًا أتعايش الإحساس بالمرض بدايةً من خوفها وقلقها من علامات المرض مرورًا بمشاركة أسرتها حتى وصولها لأقصى درجات المرض وشعورها بفقدان كل شئ. بل حتى أني في لحظات شعرت أني في موضعها. هناك الكثير من المشاهد المؤثرة لها كمشهد إخبارها زوجها بالمرض، مشهد بحثها عن دورة المياه، مشهد خطابها لجمعية مرضى الزهايمر، مشهد بحثها عن هاتفها الجوال في وقت متأخر من الليل.

الممثل الكبير آليك بالدوان – التي اقترحت اسمه للدور جوليان مور رغبة منها في التعاون مرة أخرى معه - لم تغب أيضًا لمسة أدائه كزوج محب وقلق وخائف وحريص ومقدر ومساند لزوجته وحالتها الصحية. أما الضلع الثالث في مثلث الأداء فهو كريستين ستيوارت التي لم تقدم بالنسبة لي من الأعمال ما يشفع لها إلى الآن على الرغم من شهرتها الجارفة بسبب سلسلة Twilight، فإنها قامت بتجسيد ابنة آليس (ليديا هولاند) التي لها شخصيتها المستقلة والباحثة لتحقيق حلمها بأن تكون ممثلة وهي على الجانب الآخر من البلاد ويشكل ذلك حالة صراع بينها وبين والدتها التي ترغب في التحاقها بالدراسة الجامعية. ومع ذلك تبقى حريصة على أمها عند المرض حتى آخر لحظات الفيلم. بالمجمل كان أداء جيد. أخيرًا فإن اختيار الموسيقى التصويرية كان ممتاز فإيقاعها ناعم وينسجم بشدة مع أحداث الفيلم. أخرج الفيلم اثنين هما  Richard Glatzer,Wash Westmoreland كما قاما بكتابة النص المبني على رواية بنفس الاسم، علمًا أن المخرج Richard Glatzer مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري Amyotrophic Lateral Sclerosis أو ALS وهو المرض الذي قاما على إثره الكثير من المشاهير بتحدي الثلج العام الماضي ومن بينهم جوليان مور وكريسين ستيوارت وقد قامت كلاهما بإهداء التحدي للمخرج. كلا المخرجين لم يحضرا حفل الأوسكار بسبب أن المرض اشتد على المخرج ريتشارد وقد توفي في مارس من هذا العام. المخرجان ليسا لهما أعمال سابقة تستحق الذكر ولكنهما بالتأكيد قاما بعمل جيد لإخراج هذا الفيلم في 23 يوم.

فقدت آليس القدرة على الإدراك ولكنها لم تفقد أهم شعور إنساني وهو الحب في رسالة آخر مشهد للفيلم. فيلم Still Alice هو فيلم أفضل بمئة مرة من محاضرات تلقى عن معاناة مرضى الزهايمر والحاجة إلى الاهتمام بهم. فيلم لمن أراد تذكر شخصية سينمائية تعاني من هذا المرض فالبتأكيد سوف يتذكر جوليان مور أو آليس.

الأحد، 12 أبريل 2015

Nightcrawler

بطاقة الفيلم:
النوع: دراما، جريمة وإثارة
إخراج وكتابة: Dan Gilroy  
الطاقم التمثيلي: Jake Gyllenhaal, Riz Ahmed, Rene Russo
مدة الفيلم: 117 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 31 أكتوبر 2014
ميزانية الإنتاج: 8,500,000 دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 32,279,955$


ملحوظة: الكتابة التي بالخط الأحمر قد يكون بها حرق للأحداث لمن لم يشاهد الفيلم

جميلة وقليلة هي الأفلام التي تكشف كواليس واقع أنت لم تعايشه وكل علاقتك به هو ما تراه خلف شاشتك وخاصة إذا كان هذا الواقع بعيدًا عنك آلاف الأميال. فيلم Nightcrawler أو كما يسمونه (الزاحف ليلًا) يأخذك في تفاصيل أشخاص يعيشون على ملاحقة الجرائم والمشاهد الدموية للبشر ليتم تصويرها وبيعها لمن يدفع السعر الأعلى. لطالما تسألت كيف ما أراه على شاشة التلفاز أو الانترنت من جرائم وحوداث وسرقات في الولايات المتحدة توثق في بعض الأحيان في لحظتها بكل تفاصيلها وكأن المصور جزء مسبق من الحدث وبل اختار أن يكون في تلك اللحظة شاهدًا عليها؟ وأتحدث هنا عن ما يحدث في الضواحي والأحياء وليس داخل أبينة قد يوجد بها كاميرات للتسجيل.

لويس بلوم (جاك جلينهيل) يقتات على سرقة الأشياء ومن ثم إعادة بيعها لآخرين ولكنه بوضوح يشرح لأحد الذين يبيع لهم هو أنه يرغب في شغل وظيفة ولو حتى متدرب دون أجر ليتعلم أصول الصنعة كما يُقال معتمداً على مزاياه بأنه طموح ويعمل بجد ومثابر وسريع التعلم ومع ذلك كان الجواب بالرفض هو الحاضر مبرَرًا من المشتري بأنه لا يقوم بتوظيف سارق. الإجابة بالرفض لم تكن مانع للويس لتكرار محاولة الحصول على وظيفة ولكن ما إن لمعت فكرة في رأسه نتيجة حادث شاهده، قرر أن يكون هو من يخلق وظيفته ولنبدأ رحلتنا معه وانتقاله بين أحياء وضواحي لوس أنجليس في بحثه عن التقاط مشاهد الكوارث والحوادث الدموية بعدسته الخاصة وتتشابك حياته مع مساعده ريك (رايز أحمد) الذي يقوم بتوظيفه لديه ومديرة قسم تحرير الأخبار في القناة نينا (رينيه روسو) التي يبيع لها ما يقوم بتصويره.

كما ذكرت مسبقًا في المقدمة أنه لا شك أن الفكرة الأساسية المبني عليها الفيلم تجذب العقل بشكل كبير. نرى لويس بلوم الذي أصبح دون وظيفة ولكنه يمسي بشغف أصبح يلاحقه وبل يفعل المستحيل لأجله. الأمر أصبح لديه ليس مجرد تأمين لقمة العيش وإنما وسيلة لإثبات ذاته وإظهار مهاراته وفرض السيطرة على الآخرين وبسط يده العليا عليهم وإفراغ ما تعلمه من خلال الإنترنت من دورات. بلوم يتخطى كل الحدود في مهنته فهو يسابق الزمن للوصول إلى مسرح الجريمة قبل الآخرين ليكون له الأولوية في التصوير وحتى قبل وصول الشرطة حتى لا يعيقه شيء عن القيام بعمله بحرية. يصل به الحال إلى أن يتلاعب بمسرح الحادث حتى يلتقط ما يريد وبل يصل إلى مرحلة يقوم هو فيها بصنع مسرح الجريمة الذي يريده ويزيل كل شخص يمثل حجر عثرة أمامه. بلوم عانى حتى وجد ضالته وما يعشقه ويظن أنه جيدًا فيه، بالتالي هو نفسه يدرك كيف هي حاجة الآخرين في أن يحصلو على طريقة للعيش. ليبدأ بلوم بالتلاعب بمساعده ريك الذي كان على نفس حاله دون وظيفة وذلك بإلقاء الأوامر عليه ومحاضرته عن أخلاقيات العمل وقيمه مستغلًا حاجته بأزهى ثمنٍ ممكن. أما نينا فلم تكن بعيدة عن صنارته فهي تعيش على ما يحضره لها بلوم من خلال عدسته مما يرفع من معدل مشاهدة القناة الإخبارية وبالتالي بقائها أكبر فترة ممكنة لها للعمل كمديرة للقناة. وبل إنه يصل إلى درجة أبعد في استغلال حاجتها وذلك بأن تكون هي الملاذ من وحدته التي عاشها كثيرًا وتكون عشيقته وحتى يضمن شراكته الدائمة معاها وذلك على الرغم من رفضها ذلك في بادئ الأمر وكونها أكبر منه سنًا بكثير. الفيلم يأخذنا حتى لما هو أبعد مما يحدث في أحياء وضواحي المدينة مع بلوم وإنما ما يحدث في كواليس غرف الأخبار. لاشك أن القنوات الإعلامية في العالم كله ومن بينها الإخبارية كأي مؤسسة تحتاج إلى رفع مداخيلها من أجل الإستمرارية وهذا لا يكون إلا عن طريق اتباع توجهات وأيدولوجيات وسياسات معينة وإن وصلت لحد الإسفاف. نينا كانت واضحة في توجهها بنشر أخبار التي تبعث الذعر والهلع والتأكيد عليها مرارًا وتكرارًا في المدينة المعروفة بتعدد الأعراق فيها مما يجعلها مسرح كبير للحوادث والجرائم. فالحاجة البشرية الأساسية هي تأمين لقمة العيش والشعور بالأمان وبالتالي هذا ما تنصب متابعة الناس عليه بعيدًا عن ما قد يحدث من أخبار أخرى حول العالم سواء حروب أو سياسية أو اقتصادية وغيرها.


جاك جلينهال من النجوم المعروفين منذ أعوام عديدة على شاشة السينما ما بين صعود وهبوط ولكن على ما يبدو أنه بدأ يتحسس طريقه نحو انتقاء الأفضل له كما هو الحال مع آخرين مثل المتخم بالتتويج العام الماضي ماثيو ماكنوهي والحاضر في السنوات الأخيرة برادلي كوبر. جلينهال استعد لهذا الدور فبدأ من انزال وزنه 20 باوند (قرابة 10 كج) وتغيير قَصة شعره لتتسم ملامح وجهه بالبرود ويكن بالفعل الرجل الذي يعيش على الفتات والوحدة. ولكن الأهم من المظهر الخارجي هو البعد النفسي الكبير الذي أعطاه للدور. جيلنهال يُظهر في دوره ابتسامة باردة وتعابير حادة عندما يفقد السيطرة على ريك وعين لا ترمش غالبًا وعدم الإحساس بالآخرين وثقة واسترسال في الحديث يجعله صاحب اليد العليا في المواجهة مع الأشخاص دائمًا حتى مع الشرطة وجهات التحقيق. ردة فعله العنيفة الوحيدة التي جاءت في الفيلم كانت في اللحظة التي شعر فيها بفقد السيطرة على نينا وهو المشهد الذي قام فيه بكسر المرآة وقد كان مشهد قام بتجسيده بانفعال واقعي مما أدى إلى حدوث قطع في يده وقطع التصوير وذهابه المستشفى لعمل تقطيب ليده.

الشخصيات الأخرى في الفيلم وبالتحديد الممثل رايز أحمد الذي أظهر جانب الشخصية المضطهدة والمستغلة والراضية وتنازع مع ضميرها تجاه ما يقوم به بلوم من تصرفات مقابل أي مبلغ يسد رمقها. أما الممثلة رينيه ريسو – وهي بالمناسبة زوجة مخرج وكاتب الفيلم – أظهرت صلابة ومتانة في شخصيتها في الفيلم ولكن ما لبثت إلا أن تنكسر أمام استغلال بلوم لها حتى وصلت معها إلى أن تتطبع بطريقة تفكيره. على الرغم أن موسيقى الفيلم من تلحين المعروف جيمس نيوتن هاورد إلا أنها لم تترك انطباع في ذهني وقد يكون هذا الأمر الوحيد من عناصر الفيلم الذي لم يقارب توقعاتي.

دان جيلروي مخرج وكاتب الفيلم وهو شقيق توني جيلروي المخرج والكاتب المعروف بكتابته لثلاثية بورن الأولى الخاصة بمات دامون. على أن دان بعكس أخيه فهو مقل في كتابة الأفلام والأهم هو أننا أمام أول تجربة إخراجية له في هذا الفيلم إلى أنه أظهر امتياز في أن يأخذنا في أعماق قصته ودهاليزها ويجعلك تترقب ما سوف يفكر فيه ويقوم به بلوم في خطوته القادمة نتيجة تصاعد في شخصيته المتلهفة بعمل ما يريد بغض النظر عن العواقب ومتجاوزًا المعايير الأخلاقية والمعاني الإنسانية. وأحد النقاط الذكية في الفيلم التي استرعت انتباهي وهي على الرغم من تصريح بلوم بعلاقته الجنسية مع نينا في أحد المشاهد إلا أن ذلك لم يتم عرضه في الفيلم في مشهد صريح ولو حتى قبلة ولكن بكل ذكاء يستحضر النص نتيجة هذه العلاقة في عدة مشاهد ويترك لنا مساحة للتحليل في ما جرى وخاصة أن هناك فترة زمنية اقتطعت من الفيلم ما بين لقاء بلوم ونينا في المطعم وظهور بلوم بسيارته الجديدة التي يستخدمها في عمله. أضف إلى ذلك أن المشاهد نفسه لم يكن ليستسيخ مشاهد جنسية بينهما نظرًا إلى نينا ذكرت لبلوم أنها ضعف عمره وفي الواقع هما كذلك أيضًا (رينيه عمرها 61 عام وجاك 34 عام). الحوار في النص جدًا رائع وتكاد كل كلمة من لويس لها مغزاها وعبرتها في تشريح شخصيته وبالأخص في مشهد حواره مع نينا في المطعم المكسيكي.

أخيرًا بالنسبة لي لا أحب أن أعزف على سيمفونية الأوسكار المعتادة من البعض على اختيارات الأكاديمية كل عام ولكن إن كانت هناك جائزة أخرى يستحق عليها الفيلم الترشح بامتياز إلى جانب فئة أفضل نص أصلي الذي ترشح لها دان جيلوري، بلا شك سوف تكون جائزة أفضل فيلم بدلًا من فيلم (American Sniper) وجائزة أفضل ممثل رئيسي لجاك جيلينهال بدلًا من أدوار مايكل كيتيون أو برادلي كوبر مع عدم التقليل من ما قاموا به أداءات.