الخميس، 16 فبراير 2017

لمحات من سينما هولييود 2016


انطوت صفحة عام 2016 ولعل مآسيها من حروب وتفجيرات ولاجئين وأمراض جديدة وهبوط في الاقتصاد العالمي طغت عليها ولكن يبقى أقلها على الصعيد الشخصي ذلك النور المشع القادم من داخل صالة معتمة بمثابة التجديد والانتشال من حالة الواقع لبضع ساعات ليبث حالة من الفرح والبهجة والمتعة بما يسطره الكاتب والمخرج والممثلين والمصور والموسيقي على شاشات السينما. عام 2016 كان يعتبر أقل إثراء وقوة على شاشات السينما غابت فيه قصص وسيناريوهات مميزة. وحتى على الصعيد النوعي فخلى من أفلام الفضاء الرائعة التي اعتدنا عليها الثلاث سنوات الماضية بدأً من Gravity عام 2013 و Interstellar عام 2014 و The Martian عام 2015. عام خلى من فيلم حركة مبتكر مثل فيلم Mad Max العام الماضي بعيدًا عن أفلام الأبطال الخارقين. والشيء بالشيء يذكر فعام 2016 كان هناك زخم بأفلام الأبطال الخارقين لم يشهده العام الذي قبله 2015 وخاصة أن شركة DC Comics دخلت بفيلمين ثقيلين بغض النظر عن مستواهما وهما Batman v Superman و Suicide Squad وشركة فوكس التي تملك حقوق بعض شخصيات مارفل افتتحت العام بنجاح ساحق لأول أفلام الأبطال الخارقين الجديدة وهو Deadpool وأصدرت الجزء الثالث من سلسلة X-Men. أما شركة ديزني لابد أن يكون لها بصمتها بما أنها تملك الحصة الأكبر من شخصيات عالم مارفل فعادت بقوة بالجزء الثالث من سلسلة أفلام Captain America وأنتجت فيلم لشخصية جديدة من عالمها وهي Doctor Strange. وكعادة حضور أفلام الخارقين كل عام  منذ عقدٍ تقريبًا، فأفلام الرسوم المتحركة كذلك كانت حاضرة بوفرة وديزني المتصدرة أيضًا بأفلامها Zootopia, Moana والجزء الثاني من فيلمها الشهيرFinding Dory. وديزني هي أكثر شركة مهيمنة بأرباح وإيرادات أفلامها عامي 2015 و2016 نتيجة صفقاتها التي عقدتها منذ سنوات بشرائها لحقوق شخصيات مارفل وسلسلة Star Wars. وأيضًا ابتكرت خط جديد منذ سنوات وهو إعادة إنتاج أفلام الأنيميشن الكلاسيكية لها على شكل Live Action وقد نجحت في إنتاجها الجديد هذا العام لفيلم The Jungle Book. ولأن السينما لا تنفصل عن الواقع  كليًا ومع صعود حركة Black Lives Matter  في أمريكا، فإن الأفلام التي تدور أحداثها أو حقبتها عن التمييز العنصري بين البيض والسود اندفعت للواجهة مثل Fences, Loving  و Hidden Figures وقد مكنتهم من حجز مقاعد عديدة في ترشيحات الأوسكار هذا العام مع فيلمMoonlight  وخاصة بعد الجدل الكبير الذي دار العام الماضي عن تجاهل الأكاديمية لأصحاب البشرة السوداء.

أجزاء ثانية وفيلم سيء


شهد عام 2016 جزء ثاني من عدة أفلام كان متوقع لها نجاح مماثل للجزء الأول على شباك التذاكر ولكن  أدائها كان أقل وهي The Huntsman: Winter’s War، Alice Through the Looking Glass، Independence Day: Resurgence، London Has Fallen. وينضم لهم توم كروز الذي عاد بجزء ثاني من فيلم Jack Reacher وهذه المرة مع المخرج إدوارد زويك الذي قدم معه رائعة The Last Samurai. ولا أعلم لماذا عاد بعد إخفاق الفيلم الأول الذي كان عادي جدًا للغاية على جميع النواحي ولا يضيف الجديد لتوم كروز على صعيد أفلام الحركة الذي يعد أبرز نجومها وصاحب واحد من أفضل السلاسل لها Mission Impossible والذي كان آخر أجزائها ممتاز عام 2015. فيلم Now You See Me 2 كان فيلم ترفيهي لا بأس به ولكنه فقد لبريق الجزء الأول المميز. صانعي الجزء الثاني قاموا بعمل الفيلم على مبدأ أنه هذه المرة لابد أن تكون الخدع أكبر وأكثر تعقيدًا ولكن النتيجة أن بعض الحيل لم أستسيغها وأصبحت أشاهد الفيلم بمبدأ أن كل مشهد لابد يحتوي على Twist للأحداث. ومع محاولة اختياراتي الدقيقة وانتقائي للأفلام التي أريد أن أشاهدها من العام إلا أني لم أفلت من مشاهدة فيلم سيء على نهايته وهو فيلم The Assassin’s Creed. فبعيدًا عن أني لم أخوض اللعبة وكتقييم للفيلم مستقل، الفيلم كان بمثابة الفشل والملل على جميع النواحي ويثبت أيضَا كما هو الغالب أن تحويل لعبة إلى فيلم سينمائي تجربة غير ناجحة. 

حضور في أكثر من عمل ومخرجون عائدون


شهد هذا العام حضور لأكثر من نجم كبير في أكثر من عمل سينمائي ولعل أبرزهم توم هانكس الذي استفتح عامه بأضعف الأفلام التي قد تكون في مسيرته وهو Hologram for the King الذي لم يشهد أداء ولا قصة وكأن بتوم هانكس قرر أن يقوم بهذا الفيلم لوقت فراغ بسيط في جدوله وفيلم آخر Inferno وهو الفيلم الثالث من سلسلة روايات دان براون والمخرج رون هاورد لمغامرات المحقق روبرت لانجدون وقد أثبت لي هذا الجزء تمامًا صحة وجهة نظري وهو عن ضعف عملية تحويل روايات دان براون لفيلم سينمائي يحتفظ بثراء الرواية التي تحتوي على زخم وكمية من المعلومات التاريخية والدينية الموجودة بها التي لم يستطع نص سينمائي احتوائها بشكل ممتاز. وبينهما كان فيلم توم هانكس الأبرز وأحد أفضل أفلام العام Sully. دينزيل واشنطن أيضًا ظهر في فيلمين أولهما The Magnificent Seven والذي كان منتظرًا لأنه إعادة للكلاسيكية الشهيرة The Seven Samurai وفضلًا عن أنه يجمع التعاون الثالث بين دينزيل والمخرج أنطوان فواكي ويوحدهما للمرة الثانية بالممثل إيثان هوك بعد فيلمهم الشهير The Training Day. ولكن الفيلم جاء مخيب بالنسبة لي من حيث الشخوص ودوافعهم في الفيلم لخوض غمار حرب ضد جيش من القتلة لإنقاذ قرية صغيرة بسكانها، فلم أشعر بحماسهم واندفاعهم وبل حتى التعاطف معهم. وأداء دينزيل والإخراج كان عادي جدًا ولكنه عوض إخفاقه بأداء رائع في فيلم Fences والذي عاد فيه لكرسي الإخراج للمرة الثالثة في تاريخه. ماثيو ماكونيهي الذي يحاول يتحسس طريقه واختياراته بدقة منذ حصوله على الأوسكار. فقد مر فيلمه Sea of Trees مع المخرج جاس فان سات مرور الكرام، بينما فيلمه الثاني The Free State of Jones كان جيدًا ويبقى ظهوره الثالث المنتظر والذي لم أشاهده إلى الآن في فيلم Gold. بن أفليك كان البصمة الأبرز في الفيلم الذي لم يكن على نفس قدر التوقعات Batman v Superman وكما أنه قدم أداء وفيلم جيد وهو The Accountant وعاد لكرسي الإخراج في فيلمه منتظر Live By Night بعد أن توج بالأوسكار عن آخر فيلم أخرجه Argo. آمي آدمز لعلها أبرز نجمة ظهورًا في 2016، بالإضافة لظهورها في فيلم Batman v Superman، فظهرت في فيلمين حصلا على الثناء النقدي بما في ذلك أدائها وهما The Arrival و The Nocturnal Animals. نجومٌ آخرين كذلك مثل نتالي بورتمان، جورج كلوني، ريان جوسلينج، مايكل فاسبندر، جينيفر لورانس، ويل سميث، روبي مارجيت، مارك ويلبيرج وكريس برات كان لهم أكثر من حضور عام 2016.

العام الحالي شهد عودة مخرجين لم يقدموا عملًا لأكثر من عام والبعض سوف أتحدث عن فيلمه لاحقًا بشكل مستفيض ولكن أبرزهم كان الأخوين كوين، جودي فوستر، بول جرينجراس، كلينت إيستوود، أوليفر ستون، ميل جيبسون، توم فورد، داميان تشيزال، مارتن سكورسيزي، بن أفليك وأخيرًا آنج لي. وهناك مخرجين عادوا للسنة الثانية على التوالي لتقديم أعمالهم وعلى رأسهم ستيفن سبيلبيرج الذي لم يلقى فيلمه الثناء النقدي المعتاد وهو فيلم BFG بينما روبرت زيميكس قدم فيلماً جيدًا للعام الثاني على التوالي وهوAllied  بعد فيلمهThe Walk  العام الماضي. وودي آلن كان حاضرًا كعادة كل عام تقريبًا ولكن فيلمه مر مرور الكرام وهو The Cafe Society.

خيبات ومفاجآت


أختم مقالي المطول بأبرز خيبتين بالنسبة لي لعام 2016 وهي أن فيلم Batman v Superman لم يكن على مستوى التوقعات كفيلم منتظر يجمع أبرز شخصيتين في عالم الكوميكس. والمخرج آنج لي صاحب الرائعة الفلسفية عام 2013 وأحد أفضل أفلام العقد الحالي Life of Pi وحصل من خلاله على جائزة أفضل مخرج مستحقة من وجهة نظري. لم يشعر أحد بوجوده هذا العام عندما عاد بفيلم Billy Lynn's Long Halftime Walk  الذي كان عن تبعات حرب العراق لأحد الجنود العائدين منها وبل حتى أني نسيت أنه أصدر الفيلم بعد أن وضعته لقائمة عام 2016 للأفلام المنتظرة.

في المقابل فإن أبرز وأجمل مفاجأتين كانت عودة ميل جيبسون للإخراج بعد 10 سنوات بواحد من أروع أفلام العام Hacksaw Ridge. واختتمت العام بعودة رائعة للأفلام الموسيقية من خلال فيلم La La Land ليثبت لي كما ذكرت في البداية أن السينما قادرة ولو عن طرق فيلم واحد أن تضخ كمية كبيرة من البهجة بعد الخروج منها.


الاثنين، 13 فبراير 2017

Nocturnal Animals


بطاقة الفيلم:

النوع: دراما، إثارة وغموض
إخراج: Tom Ford
كتابة: Tom Ford 
الطاقم التمثيلي:  Amy Adams, Jake Gyllenhaal, Aeron Taylor Johnson, Michael Shannon   
مدة الفيلم: 116 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 9 ديسمبر 2016
ميزانية الإنتاج: 22.5 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 10,639,114$

الإعلان الدعائي

هناك من الإعلانات الدعائية للأفلام ما إن أشاهدها تأسرني وأعيد مشاهدتها أكثر من مرة حتى موعد مشاهدة الفيلم والسبب يكون في ذلك هو الموسيقى المصاحبة لها وحدث لي هذا عام 2016 مع إعلانات أفلام Live by Night, Silence وفيلمنا Nocturnal Animals. ولكن بالتأكيد هناك سببين رئيسية أخرى دفعنتي لمشاهدة الفيلم وهي طاقمه التمثيلي ومخرجه الصاعد.

الفيلم يتحدث عن صاحبة معرض فني سوزان التي لا تشعر بالسعادة حتى في يوم افتتاح معرضها وتستقبل بعد ذلك رواية مهداة باسمها من زوجها السابق إدوارد بعد 20 عامًا. وعندما تنغمس في القراءة عن الرواية فتجد أنها عن قصة عنيفة وحزينة تحتوي على الكثير من الرموز والرسائل الموجهة والتي تستعرض حياتهما السابقة معًا وردة فعله تجاهها. الكاتب توم فورد يصنع نص درامي فيه خليط ممتاز من الإثارة والجانب النفسي والسوداوية. ويستعرض بذكاء إسقاطات الرواية على حياة الزوجين السابقين في فيلم مثير للجدل من أول مشهد لآخره ويدعو المشاهد للتركيز الشديد متنقلًا بين قراءة سوزان في الحاضر لها والعودة لعلاقتها مع إدوارد في الماضي. كما أن الشخصيات مكتوبة بشكل ممتاز، فنجد أن سوزان وإدوارد يشتركان في أن كلاهما لهما ميول إبداعية يريدان شق الطريق إليها ولكن على الجانب الآخر وعلى الرغم من حبهما فإن سوزان ترى في إدوارد الضعف ولا تؤمن بموهبته ويرى إدوارد أن واقعيتها لا تناسب ميولها الإبداعية. مشهد مطاردة السيارتين التي يتم استعراضها في الرواية وما تلته من أحداث كان مشهد يحبس الأنفاس بالنسبة لي نتيجة الحوار الدائر بين شخوصه وعدم القدرة على التكهن بردات فعلهم وكيف سينتهي المشهد. أداء الطاقم التمثيلي كان ممتاز في العمل للغاية. إيمي آدمز أحد أبرز نجوم العام بأفلامها وأدوارها المختلفة وعلى الرغم من أن دورها أقل مساحة وحوار مقارنة بفيلم Arrival إلا أن تعابير وجهها كانت حاضرة للحالة الشعورية لها. جاك جيلنهال الذي أصبح من الممثلين القلائل منذ سنوات يختار أدواره بعناية ويبدع في أدائها وهنا لا يبتعد عن نهجه فكان صاحب الأداء الأفضل بالنسبة لي مجسدًا شخصية الضعف وقلة الحيلة والشعور بالذنب والرغبة في الانتقام والتحول الذي صاحب شخصيته من بداية الفيلم لنهايته. وكم كنت أتمنى أن يكون هناك مرشح سادس لأوسكار أفضل ممثل. وثاني أفضل أداء في الفيلم كان نصيب آرون تايلور جونسون في دور شخصية لا أستطيع إلا أن أصفها بالعامية بلطجية ومتسلطة وكنت أفضل ترشيحه لأوسكار أفضل ممثل مساعد بدلًا من مايكل شانون في نفس الفيلم على الرغم من تقديري لأداء الأخير.

توم فورد مصمم الأزياء العالمي الشهير في ثاني تجربة إخراجية ونصية بعد فيلمه الجيد الذي أصدره عام 2009 A Single Man ليثبت أنه مخرج صاعد منتظرة أعماله القادمة. الفيلم كان يستحق من وجهة نظري ترشيح أكثر من مجرد جائزة أفضل ممثل مساعد وإنما أيضًا أفضل فيلم، أفضل نص أصلي، أفضل تصوير سينمائي وموسيقى تصويرية التي هي من أفضل ما سمعت في أعمال 2016.

الخميس، 9 فبراير 2017

Silence

بطاقة الفيلم:

النوع: دراما
إخراج: Martin Scorsese
كتابة: Martin Scorsese and Jay Cocks 
الطاقم التمثيلي:  Andrew Garfield, Adam Driver and Liam Nesson   
مدة الفيلم: 161 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 13 يناير 2017
ميزانية الإنتاج: 46 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 7,036,885$
الإعلان الدعائي

                                                       

وأخيرًا عاد المخرج الكبير مارتن سكورسيزي بعد غياب ثلاث سنوات عن آخر أعماله الرائعة The Wolf of Wall Street. هذه المرة سكورسيزي يعود بالفيلم الذي لطالما أراد صناعته منذ عشرين عامًا عن الرواية التي تأثر بها وهي Silence ولكن المشروع تعرض لمشاكل إنتاجية عديدة وارتباط سكورسيزي بمشاريع أخرى عطلت قيامه بإخراج الفيلم. سكورسيزي يخرج هذه المرة من عباءة أفلام العصابات التي اشتهر بها والسيرالذاتية ليعود مرة أخرى لصناعة فيلم عن الجانب الإيماني والديني وقد كان له تجربة سابقة عن فيلم The Last Temptation of Christ.

الفيلم يحكي عن قصة كاهنين رودريجز وجاربو يتخذا القرار للسفر إلى اليابان من أجل البحث وإنقاذ مرشدهم الديني فريرا وينشرا الكاثوليكية في ظل الاضطهاد الديني الذي تمارسه حكومة اليابان ضد معتنقي هذا الدين. أحد الأمور الجيدة هو أن سكورسيزي لا يستدعي الكثير من المقدمات ويبدأ فيلمه مباشرة باستعراض الجانب الوحشي من هذا الاضطهاد في مشاهد متفرقة وفي نفس الوقت لا تحتاج شخصيتيه الرئيسية صياغة معقدة لدفعهم للقيام بمهمة شبه انتحارية وهي أنهم يحطوا الرحال في اليابان والمخاطر المحفوفة بها بداية من اضطرارهم للتخفي عن الأعين ويدعوا لدينهم بشكل سري وفي نفس الوقت عدم تعريض أتباعهم للهلاك أيضًا نتيجة اعتناقهم لهذا الدين. وعلى الجانب الآخر فإنهم يبحثوا ولو عن خيط بسيط يدلهم على حال ومكان مرشدهم.  تتعقد الأمور لاحقًا عندما تشتد المراقبة والاضطهاد على سكان القرية نتيجة الشك بوجود الكاهنين مما يضطر رودريجز وجاربو للتفرق عن بعضهما لتشتيت الانتباه ويبدأ الفيلم التركيز على رودريجز وحده ورحلة الاضطهاد والعذاب النفسي الذي يواجهه نتيجة الرغبة في إجباره شخصيًا على الارتداد عن دينه علنًا ومرحلة الهبوط والصعود الإيماني والترنح ما بين الشك واليقين. شخصية الفيلم والأحداث التي تمر بها تجعلها تطرح على لسانها الكثير من الأسئلة الإيمانية والوجودية قد تمر على الكثير وقت المحن والمهالك بغض النظر عن الديانة ويصحب معها الكثير من الحوارات القوية. وكثير هي الأفلام التي تستعرض العنصرية العرقية ولكل القليل ما يتحدث عن العنصرية والاضطهاد الديني الذي بدأ منذ أزل التاريخ.

اختيار سكورسيزي للثلاثي الرئيسي في طاقم عمله كان موفق وعلى رأسهم أندرو جارفيلد (رودريجز) الذي اعتبره بأدائه في هذا الفيلم وفيلم ميل جيبسون Hacksaw Ridge نجم العام وكان لابد أن يستحق الترشيح للأوسكار عن مجهوده وقد حصل عليه عن دوره في الفيلم الثاني. لاشك أن المصادفة لعبت دورًا كبيرًا وممتازً في المفارقة التالية وهي أن كلا دوري أندرو جارفيلد مرتبطة ومستندة على شخصية ذات عمق ديني وتجربة إيمانية. وفي كلاهما استطاع أندرو أن يجسد تقلب في مشاعر هذه الشخصية نتيجة تمسكها بمبادئها وما تؤمن به مقابل ما تلقاه من نكيل. لاشك أن أندرو جارفيلد إن استمر على هذا النهج في اختياراته الموفقة وأداءه الممتاز فسوف يصبح من أبرز الممثلين على الساحة.

أما الممثل الآخر فهو آدم درايفر الذي لعب دورًا ممتاز في هذا الفيلم واختلافه مع شخصية رودريجز في كونها أكثر حذرًا وأقل اندفاعًا ومرونة نحو الأمور. والأداء الأخير هو من نصيب الممثل ليام نيسون (فريرا) والذي اعتدنا عليه في السنوات الأخيرة في أفلام الحركة ومن أبرزها سلسلة Taken. ولكن ظهوره القليل في الفيلم كان ممتاز على صعيد مضمون الدور وتفاعله مع شخصية رودريجز والحوارات التي بينهما. الفيلم كان مستغرب بالنسبة لي عدم ترشحه في الجوائز الكبرى وبالأخص الأوسكار الذي أرى أنه يستحق فيه ترشيح أفضل فيلم ونص مقتبس عن أفلام أخرى موجودة ولكنه نال ترشيح وحيد عن التصوير السينمائي. وكان التكريم الأبرز للفيلم هو اختيار American Film Institute الشهيرة كأحد أفضل أفلام العام.


الخميس، 2 فبراير 2017

Manchester by the Sea

بطاقة الفيلم:

النوع: دراما
إخراج: Kenneth Lonergan
كتابة: Kenneth Lonergan
الطاقم التمثيلي:  Casey Affleck, Michelle Williams, Kyle Chandler, Lucas Hedges   
مدة الفيلم: 137 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 16 ديسمبر 2016
ميزانية الإنتاج: 8.5 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 47,614,786.00$
الإعلان الدعائي


لعل أحد أبرز عناوين العام هو أن شركة أمازون الشهيرة تصبح أول شركة خدمة بث يترشح فيلم من إنتاجها لجائزة الأوسكار. الفيلم عن قصة لي تشاندلر الذي يجد نفسه الوصي على ابن أخيه المراهق باتريك بعد وفاة أبيه في حين أنه شخصيًا يعاني من ظروف نفسية سيئة.

فيلمنا هو فيلم عميق في مضمونه وبسيط في طرحه ويتسم بالواقعية في أحداثه. فهو يتعامل مع حالة الفقدان التي تمر بها شخصيات الفيلم وما نتج عنها من مشاعر وردات فعل وقرارات بشكل واقعي ومؤثر بعيد عن التكلف. نبدأ الفيلم مع شخصية لي الذي يعمل في صيانة المنازل ومن ثم ننتقل معه إلى مدينة Manchester by the Sea حيث تلقى خبر وفاة أخيه ومن ثم الإجراءات الطبيعية من الدفن والميراث والوصية وبقاءه بجانب باتريك وفي هذه الأثناء نطرح على أنفسنا العديد من الأسئلة حول شخصية لي الكئيبة، قليلة الكلام وذات التعابير الباردة وغير واضحة المعالم ولحظة الغضب الممزوجة بالعنف وشكوى عملاؤه من طريقة تعامله معهم. وهذه هي أحد أبرز نقاط الفيلم من أنه يجعلك تطرح العديد من الأسئلة حول سمات هذه الشخصية وبطريقة سرد السيناريو يجيب عليها تدريجيًا عن طرق مشاهد الفلاش باك حتى تكتمل الصورة عنه بنهاية الساعة الأولى من الفيلم. ليبدأ الجزء الثاني في حالة الصراع مع باتريك وخيارات كل منهما تجاه حالة الفقدان والحياة التي يريد أن يعيشها لاحقًا. فباتريك يريد أن يبقى يعيش في نفس المدينة بين أصدقائه ومدرسته ورياضته وفرقته الموسيقية ويحتفظ بقارب أبيه، بينما لي يجد نفسه في البدأ ليست لديه الرغبة في أن يكون وصيًا عليه ومن ثم يريد أن يأخذه ويعيشا سويًا في المدينة التي يعمل بها. ولا أنكر أنه من الأفلام التي قد لا يستمتع بها كل شخص نتيجة إيقاعه ودراميته الواقعية.

النقطة البارزة الأخرى في الفيلم هو أداء الطاقم التمثيلي كايل تشاندلر وميشيل ويليامز التي ترشحت عن دورها كأفضل ممثلة مساعدة، لوكاس هيدجيز في دور باتريك والذي نال عنه ترشيح مستحق كأفضل ممثل مساعد. ولكن الحديث الأبرز يقع على عاتق الممثل كيسي أفليك والذي جسد شخصية لي. فهو ليست له لحظات انفجار كبيرة عديدة ولكن يستفزك ويجعلك تتساءل لماذا هو بارد هكذا حتى يبدأ الكشف عن غطاء مشاعره وحالته النفسية شيئًا فشيئًا حتى تفهم ما يمر به وأخيرًا تتعاطف مع حالة انكساره. كيسي أفليك يعطي درس في بساطة الأداء وقوة التأثير في نفس الوقت مجسدًا المعاناة التي يمر بها وكمية الألم الداخلي الذي يستهلكه وخير دليل على ذلك هو مشهد التحقيق معه في قسم الشرطة والذي شخصيًا اعتبره من أفضل مشاهد العام الماضي ممزوجة بموسيقى أوركسترا غاية في الروعة. أداء غير مستغرب أن حصل من خلاله على الأوسكار هذا العام في سنة كانت أقوى فئة تنافس بها هي أفضل ممثل رئيسي. الفيلم من كتابة وإخراج كينيث لونيرجان والمعروف ككاتب مسرحي وسبق أن ترشح للأوسكار أيضًا مرتين عن نص فيلمي You Can Count on Me عام 2000 وفيلم سكورسيزي الشهير Gangs of New York عام 2003. ولا أحتاج أتحدث عن جودة نصه في هذا الفيلم مع النقاط التي ذكرتها في السابق وعنايته بالتفاصيل ولكنه في ثالث تجربة إخراجية يقدم صورة تتسم بالصفاء والهدوء مع العديد من مشاهد البحر والسماء والثلوج ومشاهد ممزوجة بمقطوعات موسيقية كلاسيكية رائعة. الجدير بالذكر أن الفيلم كان من المفترض أن يكون من إخراج وتمثيل مات دامون ولكن نتيجة ازدحام جدول أعماله، اكتفى بدور المنتج وتنازل عن ذلك لصديق الطفولة كيسي أفليك وصديقه الآخر كينيث لونيرجان.