الخميس، 19 يناير 2017

La La Land

بطاقة الفيلم:
النوع: دراما، موسيقي، كوميدي
إخراج: Damian Chazelle
كتابة: Damian Chazelle
الطاقم التمثيلي: Ryan Gosling, Emma Stone
مدة الفيلم: 128 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 25 ديسمبر 2016
ميزانية الإنتاج: 30 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 74 مليون دولار إلى تاريخ كتابة المراجعة
الإعلان الدعائي


قررت أن أقضي آخر يومٍ من العام الماضي 2016 بين جدران قاعات السينما ونور الإضاءة الوحيد الذي ينبعث من شاشتها وفي أحضان ثلاثة أفلام سينمائية كان أولها فيلم La La Land. الفيلم وقع ضمن اختياراتي نظرًا للثناء النقدي الذي ناله بالتحديد منذ بدأ عرضه في مهرجان البندقية السينمائي والذي ترشح فيه لجائز أفضل فيلم ونالت عنه إيما ستون جائزة أفضل ممثلة رئيسية. سببٌ آخر هو أن الفيلم تجربة جديدة في عالم الأفلام الموسيقية والتي قليل جدًا يكون إنتاجها حاضر في هولييود ليس فقط للعائد المادي القليل الذي تجنيه في مقابل إنتاجها الذي يكون ضخم أحيانًا ولكنه حتى من الصعب أن تصنع فيلمًا موسيقيًا يستطيع أن يحصل على رضا نقدي وفني. ولعلي هنا أذكر أن آخر فيلم موسيقي شاهدته على الصعيد الشخصي ونال  استحساني شخصيًا هو فيلم Les Miserables الذي عُرض في أمريكا عام 2012  تمامًا في نفس عرض يوم فيلمنا La La Land وهو الخامس والعشرين من ديسمبر. وأخيرًا لا أنسى المخرج داميان تشيزال الذي صنع لنفسه اسمًا يستحق المتابعة بفيلمه  الروائي الأول عام 2014 وهو Whiplash والذي كان من أفضل الأفلام التي شاهدتها ذلك العام. بدأت مشاهدة الفيلم وكعادتي أغلب الوقت دون أن أضع سقفًا عالي للتوقعات ولكن النتيجة كانت بنهاية اليوم وهو أنه لأول مرة منذ أن بدأت أرتاد قاعات السينما منذ عشر سنوات أن أشاهد نفس الفيلم في نفس اليوم مرتين في قاعات السينما...

يبدأ داميان تشيزال فيلمه بمشهد غنائي راقص واعد ومبشر على الصعيد الموسيقي والإخراج لأحد أيام صيف لوس أنجلوس مع ازدحام المرور ويجعل الحماس ينطلق منذ البداية لمتابعة باقي أحداث الفيلم وحتى أغنية البداية في طي كلماتها تعطي فكرة للمشاهد عن الظروف التي سوف يعيشها بطلي الفيلم.  ليأخذنا داميان بعد ذلك بسلاسة ليعرض أحداث أحد أيام فصل الشتاء مع كلًا من ميا وسباستيان. ونتعرف من خلاله على ميا التي تعمل في مقهى ستار بوكس في استوديوهات Warner Brothers الشهيرة وتعيش في سكن مشترك كحال واقعي لأي شخص يبحث عن فرصة ويريد أن يشق طريقه للتمثيل لعالم صناعة الأفلام الضخم في هولييود ولكنه في نفس الوقت صعب الدخول فيه لكثرة الراغبين أن يكونوا جزء منه وتضطر ميا لأجل ذلك أن تخوض الكثير من تجارب الأداء التي تنتهي بالفشل ويتم رفضها. بينما على الجهة الأخرى نتعرف على سباستيان عازف البيانو الماهر العاشق لموسيقى الجاز ورموزه ويحلم في أن يمتلك النادي الموسيقي الخاص به حتى يعزف ما يريد من ألحان دون أن يملي عليه أحد ويستكمل مسيرة موسيقى الجاز. لتتقاطع الطرق بين سباستيان وميا في علاقة حب يستعرضها داميان تشيزال على مدار خمسة فصول تبدأ وتنتهي بالشتاء وكل من هذا الفصول له دلالاته على فحوى العلاقة بين سباستيان وميا.

مخرج الفيلم داميان تشيزال
القصة بحد ذاتها بسيطة وكلاسيكية شاهدنا ملامح منها في عدة أفلام سابقة عن الطموح وتحقيق الأحلام والسعي خلفها وتقاطعها مع العلاقات الشخصية والحب والتضحية لأجلها. ولاشك أن معالجة داميان تشيزال لهذه القصة بشكل مميز كانت تكمن في تحولات العلاقة بين الطرفين والجوامع المشتركة بينهما في أن كلاهما عاشق للفن ونشأ من خلاله ويريد أن يدفع الآخر لتحقيق أحلامه حتى نصل لحالة الصراع الناضجة التي أضفاها بين ميا وسباستيان والنهاية الرائعة لأحداث الفيلم. ولكن نقطة قوة الفيلم كانت تكمن في الجانب الجمالي الذي يحمل نص الفيلم والمتمثل في موسيقاه وأغانيه والتصوير والإخراج السينمائي. ليقدم داميان فيلم بقصة معاصرة ولكن أجواء كلاسيكية تعود بنا إلى زمن موسيقى الجاز والأفلام الموسيقية القديمة برقصاتها وموسيقاها وأزياءها.

كثيرة هي المشاهد التي تم تصويرها وإخراجها في الفيلم وكانت تبعث على مشاعر مختلفة من البهجة والتعاطف والحماس والحب. بداية من المشهد الأول من الفيلم ومشهد عزف البيانو لسباستيان في المطعم ومشهد أغنية Lovely Night ومشهد التصوير داخل الجريفيث بارك ومشهد الحفل الغنائي لجون ليجند وأخيرًا المشهد السريالي في نهاية الفيلم والذي يأخذنا فيه داميان تشيزال لمشاعر كثيراً ما تراودنا في التفكير بالماضي واسترجاعه وكيف كنا نتمناه وماذا لو تغير حدث بسيط فيه كيف ستكون نتيجة مستقبلنا.   


فمشهد أغنية Lovely Night على سبيل المثال والذي تم تصويره كما يقُال في اللغة السينمائية One Shot وكان يحتوي على حوار وغناء وأداء راقص من أروع ما يكون بمنظر جمالي مطل على مدينة لوس أنجلوس أثناء الليل والإضاءة المصاحبة لها. وعندما أذكر الإضاءة فلا أنسى كيف أحسن داميان تشيزال استخدامها لعزل شخصيتيه الرئيسية في بعض المشاهد عن المحيط بها وكأنها تعيش عالمها الخاص وأحلامها وحدها ويعيش معها المشاهد نفس المشاعر على سبيل المثال عندما كان يعزف سباستيان على البيانو عدة مرات ومشهد ميا في أحد تجارب الأداء. 

وإذا كان جمال الصورة هو أحد نقاط قوة الفيلم، فيأتي مكملًا له جمال الموسيقى والأغاني. وأستطيع أن أقول أن فيلم La La Land هو الفيلم الوحيد من الأفلام الموسيقية التي شاهدتها لا تستطيع أن تتجاوز مقطوعة موسيقية أو غنائية بها دون أن تسمعها وتضفي عليك جانب معين من المشاعر المصاحبة لها وذلك على الرغم أن موسيقى الفيلم أغلبها قائمًا على ثلاثة ألحان رئيسية وهي لحن مشهد البداية لأغنية Another Day of Sun ولحن الموسيقى التي يعزفها سباستيان على البيانو أو كما تعرف بالثيم الخاص به وميا والثالثة موسيقى أغنية City of Starts. ومع ذلك فإن التوزيع الموسيقي لهذه الألحان الثلاثة في كل مرة يأتي معبرًا عن مضمون المشهد.

إيما ستون قدمت أفضل أداء نسائي شاهدته عام 2016 إلى الآن ومن أفضل الأدوار النسائية التي شاهدتها على مدار متابعاتي السينمائية واستطاعت أن تجسد حزمة من المشاعر المختلفة باقتدار من لحظات انكسار ويأس وشعور بضياع كرامتها وحماسها وتأثرها بموسيقى سباستيان. إيما التي في الحقيقة هي أيضًا تحمل من طيات شخصية ميا التي تجسدها. فهي نفسها في الحقيقة لم تستكمل دراستها وانتقلت لهوليوود في سن السابعة عشر لتطارد حلم التمثيل. وعام 2015 ترشحت لأوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في الفيلم الأوسكاري Birdman للمخرج أليخاندرو جونزاليز وفي طريقها بالتأكيد للترشح عن الفيلم الحالي. أما النجم الكندي ريان جوسلينج والذي يحسب له أنه أبدع في عزف الموسيقى الخاصة بشخصيته بعد أن قضى ثلاثة إلى أربعة أشهر في التدرب عليها بشكل يومي وأستطاع أن يقدم شخصيته الدرامية مع إضفاء الجانب الكوميدي عليها.

لاشك أن هناك أفلام شاهدتها في قاعات السينما وخرجت منها سعيد على الرغم من قلتها في السنوات الأخيرة. وكانت المرات الوحيدة عام 2016 هي بعد فيلمي Hacksaw Ridge و Jason Bourne. ولكن فيلم La La Land هو عبارة عن تجربة جعلتني أخرج من قاعة السينما بشعور غامر من السعادة والبهجة عجزت أن أصفها. شعور تخطى ذلك اليوم ليمتد معي لأيام وقد تطول تلك الأيام مع موسيقى الفيلم وأغانيه ورقصاته وجمالية اللوحات السينمائية التي قدُمت فيه والإخراج الرائع من داميان تشيزال الذي لا شك أصبح بالنسبة لي ضمن قائمة المخرجين الشباب الذين انتظر أعمالهم مستقبلًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق