السبت، 10 يونيو 2023

ٍSuccession

الكلام كثير عن مسلسل Succession الذي يعتبر بالنسبة لي أحد أعظم المسلسلات التي شاهدتها في حياتي ومن أروع ما صنعت الدراما التلفزيونية والأكثر تفاعلًا معها كنت مثل لم يحدث من قبل مع مسلسلات أخرى وحتى التحف المفضلة منها لي مثل Dexter وGame of Thronesو Breaking Bad لينضم المسلسل لهذه القائمة وبغض النظر عن تراتبيتها التي أتركها للزمن والسؤال الذي أرجئ إجابته دائمًا لترتيب القوائم الفنية ورغم أنه في قرارتي نفسي حاليًا يعتليهم كلهم بدرجة كبيرة وأجد نفسي محظوظ أن أسطر شيء بسيط عنه.

تحفة HBO مؤخرًا المرتكزة على ثيمة أبدية وقصة كلاسيكية شكسبيرية تناولتها كثير من الأعمال بصور مختلفة وهي العائلة والصراع على السلطة فيها وإرثها وحكمها بين أفرادها. وليس ببعيد قدمت HBO ملحمة Game of Thrones ولكن هنا أمام صراع عروش حقيقي وواقعي وملحمة عصرية في أساليب الصراع والنزاع والضرب، استحقت أن تثبت نفسها بميزانية هي بالتأكيد أقل بكثير من ميزانية لعبة العروش وبعيدة عن المؤثرات البصرية ومرتكزة على الشخصيات وتعقيداتها والأداء الخرافي الرائع المحكم لها من جميع الممثلين بلا استثناء وخاصة السبعة الرئيسيين وعلى رأسهم برايان كوكس وجريمي سترونج. ممثلين جاء بعضهم من خلفية بداية تمثيل مسرحية استطاع تطويعها لخدمة الشخصية بشكل رائع ويعتبر أداء العمر بالنسبة لهم جميعًا والشخصيات التي قد سوف يتم ذكرهم بها للأبد.

يبدأ المسلسل برتم في بدايته هادئ وقد يكون ممل بداية الموسم الأول وحتى أني شخصيًا كنت أشاهده حلقة بحلقة ولكن كان هناك تصاعد بشكل كبير يصل إلى ذروة رائعة في منتصفه يجعلك تستكمل الرحلة بكل شغف وحماس وتعلق بشخصياته وفي نهاية كل موسم ينتهي بشكل يجعلك على حافة انتظار الموسم المقبل. طريقة تصويره في الغالب أقرب للوثائقية للأحداث بالاستخدام الحر للكاميرا في زواياها وتنقلها وتركيزها على وجوه الشخصيات وتكبير وتصغير العدسة المفاجئ ووجود لقطات ضبابية مثل ما كان في المسلسل الكوميدي The Office لتعطي ايحاء وكأن الأحداث تصور بشكل حي وبعيدة عن أي حيادية بين الشخصيات.

هي دراما حتى أكبر من مجرد الصراع على عرش الإمبراطورية وإنما دراما عن علاقة إنسانية جوهرية متمثلة بالوالدية وتأثيرها وتعمق جذورها في نفوس الأبناء وتشكيل شخصياتهم وطريقة تفكيرهم وتعاملهم مع بعضهم وتعاملهم مع الحياة وصعوبة تغيرهم مما يجعلها محرك دائم لأحداث المسلسل وحتى أمام القرارات التي تبدو غاية في المنطقية لاتخاذها أمام المشاهد ولكنها في النهاية نابعة من شخصيات العمل المهزوزة والمعقدة والمركبة والمكتوبة بشكل يستحق التصفيق وكل واحدة من الشخصيات السبعة من غير مبالغة تستحق أن يتم إفراد مقال لها وتم تشريح شخصياتهم من محللين كثير على اليوتيوب.

ولكن لعلي أكتفي بتعليقين وحيدة ينبغي أن أذكرها. الأول عن أداء شخصية كيندل، فعلى مستوى ذاكرتي فالممثل جيريمي سترونج أعظم من قدم وجسد لحظات الاكتئاب ولا ينازعه في ذلك في ظني إلا كيسي أفليك في فيلم Manchester by The Sea ولكن حتى كيسي أفليك كانت شخصية المكتئب على خط واحد. ولكن شخصية كندل روي تتخبط يمنة ويسرى وتصعد وتهبط في أحداث المسلسل بسبب الاكتئاب وتحاول أن تنازع نفسها حتى تنجح وتصل إلى ما تصبو إليه وفي نفس الوقت لا يؤذي من حوله وأثرها واضح عليه في حديثه وطريقة كلامه وشتات تركيزه وعدم حضوره الذهني وانغماسه الشديد فجأةً في ظلامات الاكتئاب حتى وسط محاولات المضي قدمًا. والأداء الثاني هو للممثل الكبير برايان كوكس وشخصية الأب روي لوجان والذي حرفيًا وفعليًا تشعر معها بالمهابة والخوف والرهبة ولا تتمنى أن تخضع لواحد مثله أو تعمل معه أو تكون بين يديه إلا أن تكون ندًا لها.

الحوارات في المسلسل تتسم بالواقعية كما هي في الحياة تلقائية وأحاديث عابرة ومترددة ومتقطعة في الغالب أثناء الحديث بين أفرادها بحيث كل شخصية لا تعرف ماذا تريد أن تقول لأن الأغلب يقول غير ما يفكر به فعليًا وحذر في الحديث وفقط لملء الفراغ بعبارات عشوائية لشخصيات مشوهة نفسيًا وخاصة وقت الأزمات. مع وجود حس كوميدي في المسلسل بسبب فصلات لوغان وهبل كونري وتهكم رومان وسذاجة كريج.

المسلسل ليس فقط مقتصر بالتأكيد على الصراع وإنما هو باب كبير لتسليط الضوء والتعرف كيف تدار الشركات وتأثيرها الخارجي عن طريق إمبراطوريتها الإعلامية العابرة للقارات وقدرتها على التأثير في صناعة القرار ونفوذ رأس المال الخاص بها. تعامل الشركات في حالة احتمالية وفاة رئيسها التنفيذي وسرعة قرار اتخاذ البديل لطمأنه المساهمين على مستقبل الشركة. تعامل الشركات مع الفضائح الأخلاقية بها بما في ذلك الجنسية وتحايلها عليها ومحاولة إخفائها وإعادة تلميع صورتها. عمليات الاستحواذ على شركات أخرى ومنعها. صعود ظاهرة رواد الأعمال في المجال التقني وزحفهم في الاستحواذ على كل شيء وتغيريه من جذوره. نفوذ المال والإعلام في اختيار المرشحين للرئاسة ودعم الرئيس وإسقاطه وغيره الكثير من الأفكار والمضامين المعاصرة وخاصة التي نشهدها على الساحة الأمريكية حاليًا.

الموسم الأول كان عن التعريف بالإمبراطورية والعائلة والعلاقة بين افرادها وشخصياتهم ومحاولة الاستيلاء على حكم الإمبراطورية والسيطرة عليها من الأبناء. الموسم الثاني في محاولة إيجاد خليفة للشركة وافشال عملية الاستحواذ عليها ومن ذلك محاولة السيطرة على إمبراطورية إعلامية أخرى والنجاة من فضائح الفساد المتعلقة بالتحرش الجنسي. الموسم الثالث عن تفادي تداعيات انقلاب أخرى على الشركة وأثر انتشار الفضائح الجنسية عن الشركة وسمعة مؤسسها لوغان ومحاولة الإبقاء على الشركة عائلية ومحاولة تجديد الإمبراطورية قبل أن تضمحل أمام شركات وإمبراطوريات التقنية العملاقة والزاحفة أمام إعلام لوغان روي التقليدي بالإضافة إلى دعم الشركات الكبيرة وتوجيهها للسياسات الأمريكية والمنافسين على الانتخابات الرئيسية.

الموسم الرابع والأخير الذي نستكمل فيه القرار المفصلي الذي يريده لوغان روي ببيع امبراطوريته لرائد أعمال تقني سويدي أمام محاربة أبنائه لهذه الصفقة وإبقاء إرث والدهم في يدهم وتقاطع ذلك مع الانتخابات الأمريكية المشحونة بحالة الاستقطاب المخيف بين مرشحي الرئاسة لنحصل على واحدة من أروع الحلقات الأخيرة وختامية تليق بمسلسل عظيم عرف صُناعه كيف ومتى إنهاؤه في أربع مواسم فقط بعيد عن محاولة استغلال نجاحه وحلبه. ذكرني بمسلسل لعبة العروش الذي عبارة عن 8 مواسم وسبعة ممالك وعشرات الأشخاص يصارعوا على العرش وفي النهاية من تولى العرش جاء عن طريق خطبة عصماء وحلقة أخيرة لا تريد أن تعيدها أو تتذكر شيء منها أو تشاهدها بينما يكفي آخر دقيقتين من الحلقة الأخيرة لمسلسل Succession

تتر البداية والموسيقى التصويرية

يمكن أن نشهد عظمة هذا المسلسل من تتر مقدمة المسلسل Opening Credit Scene. التتر الذي من أول مرة شاهدته واستمعت لموسيقاه وطريقة مونتاجه بين اللقطات الحديثة ولقطات أرشيفية قديمة أعطاني إحساس بعظمة المسلسل وفخامة أجواؤه والطبقة التي يناقشها وإنه يتناول قصة وحياة أسرة عريقة ممتدة، وسعة الإمبراطورية وتطورها لعائلة لوغان روي وطبيعة العلاقات الباردة بين أفراد الأسرة وحياتهم الغالب عليها طابع الأعمال والمصاحبة لشارع المال في نيويورك مركز الأحداث. ومستحيل أن أتجاوز هذا التتر في بداية كل حلقة وإنما أبقى مستمع لموسيقاه الكلاسيكية الأوركسترالية وحتى عندما يتم استخدامها داخل أحداث المسلسل بتوزيعات مختلفة. هذا فضلًا عن الموسيقى التصويرية للمسلسل العظيمة والتي أتعب كثير كي أقول كم هي عظيمة عظيمة وفخمة.

بل إنه من عظمة تتر مقدمة المسلسل تم استخدام موسيقاها وعمل أسلوب مونتاج بنفس الطريقة على الكثير من العوائل والملوك والأثرياء المشهورين حول العالم على اليوتيوب لأنه فعليًا الموسيقى والمونتاج تعكس روح وحياة تلك الفئات.

HBO بالنسبة لي كثير ما تبدع في تتر مقدمة مسلسلاتها وتعطي انطباع رائع عن طبيعة العمل ومن ذلك ملحمية Game of Thrones وسوداوية أغنية الموسم الأول من True Detective وأغنية التتر التي تعطي انطباع على تعقد العلاقات في مسلسل Big Little Lies. أمر وتفصيله نفتقدها في صناعة أعمالنا المحلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق