الأربعاء، 31 مايو 2023

تاريخ السينما المصرية

الاخوان لوميير

الأخوان لوميير

قرر الاخوان الفرنسيان لوميير بعد عرضهم السينمائي الأول في ديسمبر عام 1895 السالف ذكره في المقال السابق عرض اختراعهم في أنحاء العالم وكان من أوائل الدول وثاني دولة هي مصر التي تم العرض فيها نظرًا لكثرة الأجانب وقتها. فكان أول عرض سينمائي في مقهى (زواني) بمدينة الإسكندرية في يناير 1896 وتبعه بأيام بمدينة القاهرة في 28 يناير في كافي (سانتي) بجوار حديقة الأوزبكية، ثم كان العرض الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898.

بدايات القرن العشرين

محمد كريم ويوسف وهبي

بعد ذلك بدأت عجلة صناعة الأفلام في العالم وبالتحديد أمريكا وفرنسا وبريطانيا بينما في مصر اقتصر الأمر على التوزيع وعرض الأفلام الصامتة في المقاهي والتجمعات مصحوبة بعزف بيانو أو موسيقى أسطوانات كلاسيكية وخاصة أن فن الفرجة كان شائعًا عند المصريين كعروض الأرجوزات. ونظرًا للإقبال والرواج على السينما فقام عدد من المصريين بهذا المشروع في منازلهم مقابل سعر تذكرة أقل ومن ذلك المخرج محمد كريم ويوسف وهبي الجاران المحبان للسينما واللذان سوف يكون لهم عظيم الأثر في السينما المصرية ومن الرواد في صناعتها كما سوف نذكر لاحقًا.

في يونيو عام 1907 وصل إلى الإسكندرية المصور الأول لدار لوميير لتصوير "ميدان القناصل" بالإسكندرية وميدان محمد علي وزيارة الخديوي عباس لمسجد أبي العباس وغيرها ويعد هذا أول تصوير لبعض المناظر المصرية تم عرضها بدار سينما لوميير، وبذلك اعتبر بعض النقاد أن هذا التاريخ هو بداية الإنتاج السينمائي المصري على اعتبار أن المادة المسجلة كانت في مصر على الرغم أن القائمين عليها أجانب.

في عام 1917 كان أول فيلم من انتاج الشركة السينمائية الإيطالية المصرية وهو فيلم "الشرف البدوي" وشارك فيه محمد كريم كأول ممثل مصري في بطولة فيلم وتم عرضه في سينما "شانتكلير" بالإسكندرية. أتبع ذلك تعاون آخر بين الاثنين عام 1918 بفيلم "الأزهار المميتة" مدته 40 دقيقة. وكلا الفيلمان في النهاية فشلا تجاريًا بسبب ضعفهم الفني وأعلنت معها الشركة افلاسها وتم إغلاقها.

محمد بيومي وفيلمه برسوم يبحث عن وظيفة

في عام 1923 تم صناعة أول فيلم برؤية مخرج مصري وهو محمد بيومي على الرغم أنه قصير مدته 12 دقيقة وكان بعنوان "برسوم يبحث عن وظيفة" وهو يروي عن علاقة بين الشيخ "متولي" والمسيحي "برسوم" في تأريخ اجتماعي كوميدي لأحداث ثورة 1919 والتي كانت ضد الاحتلال البريطاني والتي تكاتف فيها المسلمين مع المسحيين في الشعار الشهير "يحيا الهلال مع الصليب". وأقنع محمد بيومي رجل الأعمال طلعت حرب باشا بالاستثمار في صناعة الأفلام وبالفعل أنشأ أول استديو في ذلك الوقت وهو شركة مصر للتمثيل والسينما أداره محمد بيومي نفسه عام 1925.

ونختم في عام 1927 بأول فيلم روائي طويل اسمه "ليلى" تجاوزت مدته 90 دقيقة من إنتاج وتمثيل عزيزة أمير وشاركت في الإخراج والكتابة والمونتاج لتساهم في تأسيس مرحلة جديدة من السينما المصرية وتصبح من روادها ويُقال إنها أول سيدة أخرجت وأنتجت في العالم.

حقبة الثلاثينات

مع بداية الحقبة في عام 1930 أخرج محمد كريم أول فيلم مبني على رواية أدبية لمحمد حسنين هيكل بعنوان "زينب". وفي عام 1932 كان الحدث الكبير بإنتاج أول فيلم روائي طويل ناطق بعنوان "أولاد الذوات" إخراج محمد كريم وبطولة يوسف وهبي وأمينة رزق. وفي نفس العام كان فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي شهد أول أغنية في فيلم مما شجع بعد ذلك على انتاج الفيلم الغنائي الأول "الوردة البيضاء" عام 1933 لمحمد عبد الوهاب وإخراج محمد كريم وتم عرضه في عدة دول عربية رفع من صيت عبد الوهاب ووصلت إيرادات الفيلم كما يُقال ما يُعادل ربع مليون جنيه في وقتنا الحالي وشجع على صناعة السينما. 

وما زلنا في نفس الحقبة التي تشهد أولويات ومنها أول فيلم تاريخي تم انتاجه بعنوان "شجرة الدر" عام 1935 من إخراج أحمد جلال وبطولة آسيا داغر. أخيرًا ظهرت استوديوهات انتاج أخرى أبرزها استوديو مصر من تأسيس المخرج أحمد سالم سنة 1935 والذي أحضر أبرز التقنيات له من الخارج وساهم في تحويل ممثلي المسرح إلى السينما ومن أبرزهم الكبير نجيب الريحاني.

 حقبة الأربعينات

بعد سلسة الأولويات التي شهدناها في حقبة الثلاثينات، من الطبيعي أن صناعة السينما تزدهر فكانت الاربعينات أحد الفترات الذهبية للسينما وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية بإنتاج وصل 50 فيلم في السنة مقابل 16 في الثلاثينات و450 صالة عرض بنهاية الأربعينات وانشاء 5 أستوديوهات كبرى وإيرادات الأفلام تأتي من توزيعها خارجيًا أيضًا ووصل ايراد الفيلم في المتوسط الى 100 الف جنيه ويٌقال مصدر الإيرادات الثاني للدولة بعد صناعة القطن وظهور فئة الأفلام الاستعراضية مثل "غزل البنات" و"قلبي دليلي" وإنشاء أول نقابة في المجال وهي نقابة السينمائيين المحترفين وظهور نجوم مثل ليلى مراد وفاتن حمامة وفريد الاطرش ومحمد فوزي ومخرجين كبار كتبوا أسماؤهم في التاريخ السينمائي المصري لعقود لاحقة مثل هنري بركات وكمال الشيخ وحسن الامام وعز الدين ذو الفقار وفطين عبدالوهاب  والأهم صلاح أبو سيف ملك الواقعية في مصر وهي حركة ثقافية سينمائية إيطالية ظهرت في الأربعينات (1942-1961)  كما ذكرنا في المقال السابق.وفي مصر كان نفس الأمر في تقديم القصص المرتبطة بالشارع والواقع بعيدًا عن قصص الطبقات الارستقراطية والباشوات والسرايات والروايات الأدبية العالمية وحتى إن كانت القصة خيالية فإسقاطها حتمي على الواقع البسيط ومن ذلك أفلام صلاح أبو سيف "الفتوة" و"الزوجة الثانية" و"صراع في النيل" لعاطف سالم و"الحرام" لهنري بركات.

حقبة الخمسينات

على الرغم من نتيجة ثورة 52 التي قام بها الضباط الأحرار ضد النظام الملكي وإسقاطه مما سبب تراجع السينما نوعًا ما ولكن الأسماء السالف ذكرها من المخرجين بالموجة الجديدة أكملت بروزها ومنهم المخرج يوسف شاهين صاحب أول فيلم مصري وأفريقي يقدم للتنافس في القائمة الأولية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي بعنوان "باب الحديد". وظهر من الأدباء من أثروا على السينما بعد ذلك لسنوات مثل إحسان عبد القدوس الذي اشتهر في الغوص في أعماق النفس البشرية ونجيب محفوظ في الحياة الشعبية، بالإضافة إلى طه حسين، يوسف إدريس، يوسف السباعي. ومن النجوم أحد أساطير الكوميديا المصرية إسماعيل ياسين والنجم العالمي لاحقًا عمر الشريف وسندريلا الشاشة سعاد حسني. وفي عام 1956 كان أول فيلم بالألوان بعنوان "دليلة" بطولة عبد الحليم حافظ وشادية وإخراج محمد كريم والذي بذلك يعتبر أول من جعل السينما تعانق فن الأدب، ثم تنطق، ثم تغني بالألوان. ومعها طبعًا ظهور أول معمل لتحميض الأفلام الملونة أسسته ماري كوين. وتم إنشاء نقابة مختصة للممثلين ومعهد السينما العالي وكان أول عميد له هو محمد كريم.

حقبة الستينات

في الستينات ظهر التلفاز وانتشر معه حب الأفلام وحتى الأفلام التي لم تلقى الصدى والنجاح سابقًا أثناء عرضها السينمائي نالت من الحظ جانب. وأدرك جمال عبد الناصر أهمية السينما وقوتها الناعمة في الترويج لأفكاره وبالذات الاشتراكية فتم دعمها لاستغلالها فتدخلت الدولة والقطاع العام في الصناعة والتحكم بها وتقهقر معها القطاع الخاص في المجال وقل عدد الأفلام المنتجة في السنة وانخفض عدد صالات العرض. ويزيد على ذلك نكسة 67 التي انحدرت فيها معنويات المصريين فاهتزت صناعة السينما وجعلت الكثير يعملوا خارج مصر مثل لبنان وتركيا.

حقبة السبعينات

ظهرت أفلام المقاولات والتي يتم انتاجها في الغالب من أشخاص ليس لهم علاقة بالسينما ويتم إنتاجها بميزانيات ضئيلة قدر المستطاع وتعتمد على التصوير الداخلي أكثر من الخارجي وليس لها قيمة فنية بقصص ساذجة وسيناريوهات فقيرة مواضيعها تعتمد على الجنس والاغراء والأكشن والعنف والمخدرات بشكل سطحي. ونتيجة للوضع الاقتصادي بعد الحرب فكثير من الممثلين لجأوا إليها رغبة في الظهور او الاستمرار أو أكل العيش.

ومعها أيضًا أدركت الدولة خطأها الفادح بالتدخل في الصناعة وأسرعت في معالجتها بانسحابها بشكل كبير وتملكها القليل في المجال وكان هناك موجة من الأفلام عن حرب أكتوبر على جميع المستويات مثل أفلام "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"العمر لحظة" وتسليط الضوء على حكم عبد الناصر المتمثل في السجون والتعذيب والاستبداد السياسي والفكري أشهرها أفلام "احنا بتوع الأتوبيس" و"الكرنك" عن رواية لنجيب محفوظ. وأخيرًا أرادت مصر أن تضع نفسها على خارطة السينما العالمية فكانت أول دورة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

حقبة الثمانيات

على الرغم من انتشار أفلام المقاولات بشكل أكبر نتيجة انتشار جهاز أشرطة الفيديو وأصبح الكثير ينتجوا أفلام حتى فقط تذهب لشرائط الفيديو مباشرة دون السينما وزاد من ذلك الإقبال عليها في دول الخليج. ولكن هذا لم يمنع أن الكثير يصنف الثمانينات أيضًا بأنها أحد الفترات الذهبية في عصر السينما المصرية نتيجة لبروز مجموعة من المخرجين الشباب في ذلك الوقت الذين عادوا لتقديم سينما الواقعية الجديدة بحيث إنها تحكى من الشارع وفي الشارع المصري بعيدًا عن الأستوديوهات الكبيرة من أجل حواديتهم الخاصة التي يريدوها ويلتقطوا معها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية أعمق وأكثر تفصيلًا نتيجة التحول حاد، ما بين عصر الثورة، والوحدة، والاشتراكية، وسياسات العدالة الاجتماعية، التي كانت في العهد الناصري إلى السياسات الرأسمالية، والليبرالية الاقتصادية، التي تبنّاها الرئيس السادات، وما انتهت إليه من تراجع مؤسسات الدولة وتمكين القطاع الخاص، وإغراق السوق بالبضائع المستوردة، وانتشار العلامات التجارية الأجنبية، وما رافقها على المستوى السياسي من الاتجاه نحو المعسكر الرأسمالي والولايات المتحدة، وتوقيع اتفاق السلام مع "إسرائيل"، ومواجهة التيارات اليسارية والإسلاميين.

لم يتوقف الأمر عند مستويات السياسية والاقتصاد، بل رافق ذلك تغيرات شديدة على المستوى الاجتماعي، بتغير القيم السائدة وبروز طبقات جديدة من رجال الأعمال ومن تمكنوا من تحقيق ثراء سريع مستغلين هذه الأجواء، إلى اختفاء وتراجع الطبقات الوسطى وتوسع الفقر ومن ذلك ثلاثية العار ومن هؤلاء المخرجين عاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان وداود عبد السيد وسمير سيف وعلي عبدالخالق ومؤلفين مثل وحيد حامد وبشير الديك ومحمود أبو زيد وبرز معهم النجوم نور الشريف وعادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز.

حقبة التسعينات

تراجعت أفلام المقاولات مع انخفاض الاقبال عليها في دول الخليج بعد حرب الخليج وفي نفس الوقت ظهرت عدد أكبر من الأفلام بمستوى فني كبير بما في ذلك فيلم "الكيت كات" لمحمود عبد العزيز وإخراج داود عبد السيد وخماسية عادل إمام التي كانت مع الكاتب وحيد حامد وإخراج شريف عرفة بمثابة تنفيس عن حالة الشعب وهي "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "المنسي"، "طيور الظلام" و"النوم في العسل". ومن الأحداث البارزة كان تكريم المخرج الكبير يوسف شاهين بالسعفة الفخرية في مهرجان كان السينمائي عام 97.

وفي سنة 98 جاءت الثورة التي أطلقها محمد هنيدي بفيلمه "صعيدي في الجامعة الأمريكية" وأنعش شباك التذاكر فكان صاحب أعلى إيرادات في تاريخ السينما إلى فترة قريبة بقيمة اليوم وبعده أفلام "الناظر"، "عبود على الحدود" و"همام في أمستردام" وأطلق معاه جيل "الكوميديانات/المضحكين الجدد" مثل علاء ولي الدين وأحمد حلمي ومحمد سعد وأحمد السقا وكريم عبد العزيز ومنى زكي ومنة شلبي وغادة عادل وياسمين عبد العزيز وما زالوا نجوم قائمين إلى اليوم، إلا أن  جودة الإنتاج المصري ضعفت على مستوى قصص الأفلام وأهميتها مقابل تحسن في نواحي فنية تقنية أخرى ولكن لهذا مبحث آخر عن أسبابه التي قد تختصر في سطوة شركات الإنتاج في البحث عن تضخيم مكاسبها وخاصة مع انفتاح سوق السينما الخليجي لهم وتشديد الرقابة للحديث عن مواضيع حساسة أو مهيجة للشعب ودخول وساطات في تبني مواهب جديدة وغيرها الكثير من الأسباب الأعمق التي قد تستحق مبحث آخر.

مصادر

1)      فيديو تاريخ السينما في 6 دقائق ونصف

2)      فيديو رحلة عبر تاريخ السينما المصرية في مئويتها الأولى

3)      فيديو أعظم سنوات السينما المصرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق