السبت، 11 مايو 2013

Skyfall

بطاقة الفيلم:
النوع: حركة، إثارة، تشويق
إخراج: Sam Mendes
كتابة: Neal Purvis, Robert Wade, John Logan  
الطاقم التمثيلي: Daniel Craig, Judi Dench, Javier Bardem, Ralph Fiennes, Naomie Harris
مدة الفيلم: 143 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 26 أكتوبر 2012
ميزانية الإنتاج: 200 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 304,360,277$

بعد أربع سنوات من الجذب والشد وتوقف المشروع لأكثر من مرة نتيجة ميزانية الفيلم الضخمة، عادت لنا سلسلة الجاسوس البريطاني جيمس بوند في فيلمها 23 بعنوان (Skyfall) وذلك في ذكرى مرور 50 عام على بدأ هذه السلسلة التي بالتأكيد وبلا شك هي علامة في الإنتاج السينمائي سواء أعجبتنا أم لا وسواء نال بعض أفلامها الإستحسان والآخر لا.

لاشك مما زاد الترقب لهذا الجزء بجانب فترة الإنتظار الطويلة هو وجود اسم المخرج الفائز بالأوسكار عام 2000 عن فيلمه الدرامي (The American Beauty) وهو المخرج البريطاني سام منديز. وهنا كان أمام منديز عدة تحديات. أولها هو أن يجعل عمل بوند القادم محل الإستحقاق للإنتظار تلك الفترة الطويلة. ثانيًا وجود اسمه كمخرج كبير ومعروف بالأفلام الدرامية فما هي البصمة التي سيقدمها في عمل من طراز الجاسوسية والحركة والإثارة. وثالثًا وهو الأهم ومبني على النقتطين السابقة، هل سيقوم بعمل فيلم تستحق عليه السلسلة في ذكراها الخمسين  أن تستمر لأعوام أخرى ويظل يشاهدها محبي السينما في العالم؟؟؟


لطالما أردت أن أكتب عن فيلم (Casino Royal) وهو الفيلم الأول لنجم السلسلة الأخير دانيال كريج والذي تم إصداره عام 2006. في هذا الجزء كان من الواضح جدًا أن منتجي السلسلة بدؤوا في التوجه نحو خط جديد لشخصية بوند وخاصة مع الثورة التي قام بها النولان عام 2005 في إلباس شخصية باتمان قدر كبير من الواقعية والدرامية والجانب العاطفي، بدأ كثير من المخرجين يكسو أبطالهم الخارقين والغير قابلين للإنكسار هذا الجانب. وكان لشخصية بوند من ذلك نصيب، فبوند الذي اعتدنا عليه كان شخصية صلبة لا تواجه تنوع في المشاعر وغير قابل للإنهزام ومدججة بالأسلحة الغريبة وينتقل من امرأة إلى أخرى بغير اكتراث، وجدناه مختلفًا تمامًا في فيلم (Casino Royal). في هذا الفيلم وجدنا بوند يبكي، يتألم، يسخر، يعطف، يواجه خطر الموت، ينكسر، يعشق امرأة بشدة لدرجة أنه يقرر أن يترك عمله لأجلها. وفي حوار جدًا رائع مع حبيبته فيسبر عندما تسأله "ألا يضايقك قتل أولئك الناس؟" فيجيب بوند "لن أكون جيد في عملي إذا فعلت ذلك" فحتى بروده تجاه من يقتلهم مبرر بالنسبة له بدافع طبيعة مهنته والتي تحتم سقوط ضحايا بين يديه.

دانيال كريج بالكاد كان ممثل معروف عن عدة أفلام شارك بها ولعل أبرزها فيلم (Munich) للمخرج ستيفن سبيلبيرغ. وعندما تم اختياره لأداء دور بوند خلفًا لبيرس بروسنان، انهالت التعليقات على المنتديات والمواقع الإجتماعية بسوء هذا الإختيار. ولكن دانيال كريج كان حاضرًا بقوة على المستوى التمثيلي بتجسيد أبعاد جديدة للشخصية وكذلك على المستوى البدني بعكس من قاموا بأداء دور بوند قبله فلم يكونوا بدنيًا في رأي بمثل مستوى كريج وأثبت علو كعبه وأستطاع تقمص الشخصية بمشاعرها المختلفة في الفيلم باقتدار. ليكون أول بوند أشقر بامتياز.

في فيلم (Casino Royal) بجانب القصة والسيناريو والحوار، كان الإخراج من مارتن كامبل والموسيقى التصويرية علامات بارزة في الفيلم مما جعله بالنسبة لي ليس فقط أحد أفضل أفلام سلسلة بوند وإنما أحد أفضل الجاسوسية التي شاهدتها في حياتي بصحبة سلسلة (Jason Bourne) للممثل مات دايمون.
تلا ذلك الفيلم، فيلم (َQuantum of Solace) والذي تم إصداره عام 2008. هذا الفيلم كان استكمال لما انتهت عليه حالة بوند في الفيلم السابق. ولعلنا في هذا الفيلم لم نرى بوند إلا مدفوعًا بمشاعر الإنتقام مع عدم مخالطته لمشاعر أخرى فكان الفيلم يغلب عليه جانب الحركة.
 
Bond & M
ما ذكرته عن الفيلمين السابقين كان مدخل ضروري لعملية المقارنة. بالعودة إلى الفيلم الجديد (Skyfall) فقد تمكنت أخيرًا من مشاهدة الفيلم واستمتعت به كثيرًا وهو بالتأكيد بالنسبة لي يتفوق على الفيلم السابق (Quantum of Solace) ولكن في المقابل فإنه لا يتجاوز رائعة (Casino Royal).

الفيلم الجديد كان بالفعل جدير بالإهتمام لتضمن القصة والسيناريو عدة نقاط جعلته متميزًا جدًا: 
النقطة الأولى: شخصية (M) التي تمثل رئيسة بوند وظهرت في الأجزاء السابقة ولكن هذه المرة يستعرض الفيلم العلاقة بينها وبوند بشكل أعمق وخاصة عندما يعتري بوند مشاعر الشك تجاه رئيسته (M) التي يطاردها ماضيها فيلقي بظلاله على مستقبل الإستخبارات البريطانية. وكاد أن يودي بحياته بسببها. وصاحب هذا الشك اختبار لولائه تجاه وطنه ورئيسته التي ساهمت في الإعتناء به منذ سن مبكرة.
النقطة الثانية: هي النبش البسيط في ماضي جيمس بوند حيث ذهبنا في هذا الفيلم إلى مكان ولادته ومنشأه وتأثير خسارة والديه عليه في سن مبكرة لدرجة أصبح معها يمقت هذا المكان. ونتيجة ذلك أنه أصبح عميل في الاستخبارات بناء على وضعه الإجتماعي كيتيم. وفي جملة معبرة لرئيسته (M) تخبره أنه لطالما كان اليتامى الأنسب لوظيفة العملاء. ولعلنا نستشف من هذا قدرة الاستخبارات على تعويض بوند عن ولائه لوالديه بولاؤه لرئيسته.
النقطة الثالثة: هي أن الاستخبارات البريطانية تواجه هذه المرة عدو من نوع آخر وهو عدو منها ويعرفها جيدًا، فالعادة الاستخبارات تطارد من يشكلوا خطر أي كان ولكن هذه المرة الخطر نفسه يطاردهم تحت عنوان الإنتقام الشخصي. فرأينا عدو بارد، ذكي، ساخر، مقهور ومتفلسف. سمعت وقرأت الكثير من يشبهون شخصية سيلفا بشخصية الجوكر في رائعة (The Dark Knight) وفي الحقيقة هي تتشابه معها في بعض الصفات التي ذكرتها وأيضًا كون كلاهما لا يبحث عن المال أو السلطة، لكن هناك شعرة بسيطة بينهما وهي أن سيلفا منتقم بينما الجوكر يرى وجوده أمر محتم لاستكمال وجود الخير. وكان هناك حديث لافت وجهته شخصية (M) في أحد المشاهد ومضمونه أن الحرب لم تعد مع دول موجودة على الخريطة وإنما مع أفراد ومنظمات خفية تتلاعب بالعالم. فالدول لم تعد تخوض حروبها بزيها وعلمها الرسمي.
النقطة الرابعة: الممثلة جودي دنش كانت هذه المرة حاضرة بقوة في دورها (M)، فكل محور القصة يدور حولها وبل أن الصراع الثنائي بين بوند وسيلفا ناشطٌ حولها. وقد رأيناها عنيدة ومندفعة ولا ترضى بدهس كبريائها.

Javier Bardem as Silva

بالنسبة لأداء الطاقم وهنا سوف أختصره على الثلاثي الأبرز والأساسي في الفيلم وهم الفائزة بالأوسكار جودي دينش والذي سبق أن تحدثت عن أدائها ودورها في النقطة الرابعة. ومن ثم الفائز بالأوسكار الأسباني خافيير باردام فلقد أبدع في دوره ولعله من أجمل أدوار الشر العام الماضي وأخيرًا دانيال كريج الذي لم تتغير وجهة نظري تجاهه، فيبقى بالنسبة لي أفضل من قام بأدام شخصية بوند على مدار متابعتي لأبطال السلسلة الأبرز شين كونوري، روجر مور وبيرس بروسنان. 

بداية الفيلم كانت جدًا ممتازة في مشهد المطاردة داخل مدينة إسطنبول لمدة ربع ساعة تقريبًا وانتهاء بهذا المشهد الذي يشدك ويجعلك تتساءل بالفعل مالذي سوف يحدث تالًيًا. الإخراج كان جدًا رائع من سام منديز ولا غبار عليه وإن كنت أريد أن أذكر مشهد جميل وعلق في ذهني، فسوف أذكر مشهد قتال بوند مع متخصص الاغتيالات في شنغهاي وقد ظهر كلاهما كالظل على خلفية أضواء الألعاب النارية. أخيرًا سواء من أعجبه الفيلم أم لم يعجبه ولكن الأكيد أن أغنية أديل بعنوان (Skyfall) وحدت الكل على روعتها واكتسحت الجوائز الثلاث الكبرى والأساسية وهي الأوسكار والبافتا والجولدن جلوب كأفضل أغنية أصلية.

ويبقى السؤال وهو هل يستحق بوند أن يبقى لأعوام أخرى؟؟؟
بالنسبة لي فالجزء الأخير أعطاني انطباع أن السلسلة قد يكون لديها المزيد مما يُشبع شغف محبيها بالأخص. وخاصة إذا ما تم مراعاة إضفاء جانب التميز كما هو الحال في الفيلم الأخير والموازنة بين جانب الحركة والجانب النفسي لشخصية بوند وذلك بوضعه في أُطر جديدة تجعلنا نكتشف ونتعايش مع جوانب أخرى لها والتدقيق في اختيار المخرج وحتى إن كان الأمر يتطلب أن ننتظر جزء كل أربع أو خمس سنوات.

الخميس، 4 أبريل 2013

Silver Linings Playbook

بطاقة الفيلم:
النوع: دراما، كوميدي، رومانسي
إخراج وكتابة: David O. Russell
الطاقم التمثيلي: Bradley Cooper, Jennifer Lawrence, Robert De Niro, Jacki Weaver, Chris Tucker
مدة الفيلم: 122 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 20 ديسمبير 2102
ميزانية الإنتاج: 21 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 132,088,910$



احترت أن أصف شعوري تجاه الفيلم منذ بداية المراجعة أم احتفظ به لاحقًا، فوجدت نفسي تخبرني أن أتوجه بالحديث عن صاحب العمل الأول من باب التقدير المخرج والكاتب الأوسكاري - ترشيحًا وليس فوزًا - دايفيد أو راسل. لاشك أن ديفيد كان أحد المخرجين منذ فترة بسيطة جدًا الغير معروفين وقد خاض تجربة إخراج الأفلام الروائية إلى ما قبل عامين سبع مرات منها فيلم وثائقي وفيلمان قصيران، وأشهر هذه الأفلام كان فيلم (The Three Kings) عام 1999 من بطولة الثلاثي جورج كلوني، مارك والبرج وآيس كيوب ولم يلقى الفيلم ذلك الإعجاب والثناء فضلأً عن أن يُخلد في الذاكرة. عام 2010 كانت بداية الشهرة والنجاح لديفيد عندما توحد مرة أخرى للعمل مع مارك والبرج في الفيلم الأوسكاري (The Fighter) وكان من نصيب ديفيد الترشح لجائزة أفضل مخرج. في الحقيقة أنه على الرغم من بقاء اسم ديفيد كمخرج عالق في ذهني لإعجابي بفيلمه (The Fighter) إلا أنه لم أكن أتوقع وأضع في الحسبان أن يضرب مرة أخرى بفيلم هو من أفضل ما شاهدت عام 2012 فيلم (Silver Linings Playbook) أو (كتاب مسطر بالفضة)يحكي الفيلم باختصار عن بات  الذي يخرج من مصحة عقلية بعد قضاء ثماني أشهر بها محاولًا استعادة زمام الاستقرار في الحياة ويواجه حالته الجديدة مع عائلته والأصدقاء والمجتمع واستعادة زوجته على أنه في المقابل يلتقي بتيفاني الفتاة التي تعاني أيضَا من مشاكلها الخاصة.


المخرج ديفيد أو راسل

يضع ديفيد أو راسل نفسه هذه المرة ككاتب إلى جانب الإخراج ويصنع سيناريو الفيلم - المقتبس عن رواية بنفس العنوان - بلا تعقيد ولا تكلف ليضعنا أمام نموذج لإحدى العائلات الأمريكية البسيطة التي تعاني نوعًا من التفكك في النسيج الإجتماعي، فنجد رب الأسرة بات الأب غارق في لعبة المراهنات الرياضية التي يمارسها من أجل مشروعه الخاص. إلى جانب خوف الأسرة وقلقلها على بات الإبن بعد خروجه. في المقابل تأتي الفتاة تيفاني من بعيد لكي تُعيد تشكيل حياة هذه الأسرة بشكل مباشر وغير مباشر نتيجة علاقتها مع بات الإبن. وهنا كأن ديفيد أو راسل بفيلمه يعيدنا إلى الفيلم المفضل عند الكثيرين للنجم كيفين سبيسي – الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم - من العقد التسعيني (The American Beauty) للمخرج الفائز بالأوسكار سام منديز والذي كان يناقش أيضًا مشكلة التفكك الإجتماعي ضمن نطاق عائلتين أمريكية الرابط بينهما شاب وفتاة ليكشف من منظوره الجمال المزيف الذي يتم الترويج له في تلك الفترة عن العائلة الأمريكية النموذجية.

لا يكتفي ديفيد في السيناريو بهذا الأمر بل أنه يرينا كيف يكون تعامل المجتمع ونظرته لنموذجين من الأفراد يحاولا التعافي على المستوى النفسي والعودة للانخراط إليه بشكل طبيعي ولكن ذلك يُقابل بالصدود كما هو الحال مع تيفاني التي تحاول أن تتناسى وتخرج من حالة الإكتئاب الناتجة عن وفاة زوجها وذلك بالإنخراط في علاقات عابرة أدت إلى فصلها من عملها. والفرد الآخر هو بات الإبن الذي يحاول أن يستعيد أصدقاءه، عمله وقبل ذلك زوجته. فالمجتمع أحيانًا قد يكون بنفسه هو المثبت والمحطم والقاتل لأي تشافي وبل قد يصنع المجانين.

 في المقابل لا يتركنا ديفيد بنظرة واحدة وهي النظرة المجتمعية وإنما ينتقل بنا إلى كفاح بات وتيفاني في العودة للحياة. فتيفاني تجد ضالتها ومن قد تحبه في بات وتحاول أن تحقق حلمها في المشاركة بإحدى حفلات الرقص الذي يُعتبر أحد هوايتها. أما بات فإنه يحاول أن يُظهر للجميع كم هو طبيعي ويرغب في التغيير وكمية الإيجابية التي يحتفظ بها وأن يكون مساعدًا لتيفاني في حالتها اليائسة ويُلبي أحد المرات رغبة والده في أن يكون تميمة حظه وأخيرًا أن يكون مباركًا لأخيه على الرغم من محاولة الأخير لإغاظته. عنوان الفيلم بحد ذاته ذكاء، فتيفاني كانت تحكي لبات خلاصة إحدى الكتب الروائية وذكرت في نهاية الخلاصة أن الجنس البشري بائس وغير مسطر بالفضة وذلك بمعنى أنه لا يوجد فيه أمل ولكن نجد أنه مع مرور أحداث الفيلم وبنهايته يصنع بات وتيفاني كتابهم المسطر بالفضة.

 الفيلم يتحدث عن كيف أن موقف واحد قد يغير حياتك للإيجاب أو السلب فلولا ما حدث لبات من خيانة زوجته لما كان يحاول أن يتغير على عدة أصعدة بأن يقرأ ويمارس رياضة الجري ليخسر الوزن وبل حتى على المستوى السلوكي. كذلك يستعرض الفيلم كيف أنك من قد تراهم مجانين قد يكونون سبب ومفتاح للسعادة وهذا يتمثل في موقفين الأول الإيجابية التي حملها بات لصديقه كي يُبقي على زواجه. والثاني هو دفع تيفاني لبات الأب أن يقبل أخطر عملية مراهنة سوف تكلفه خسارتها كل شيء. وكيف أن بات الإبن هو في النهاية على الأقل جزئيًا حصيلة بات الأب سريع الإنفعال والغضب. في الحقيقة أن من يلاحظ سوف يجد أن ديفيد أو راسل صنع فيلمه الأخير مشتركًا مع فيلمه السابق (The Fighter) في فكرة رئيسية وموضوع واحد وهو عن الأسرة وعلاقاتها الشائكة وسببها لحالة الإختناق للبطل الرئيسي والمساهمة في بناء حياته السيئة ولو جزئيًا ومساهمة الوافد من الخارج – أي الفتاة – في إصلاح تلك الحياة والمختلف أن ذاك الفيلم كان يدور على خلفية الملاكم الذي يريد أن يجد مكانه داخل الحلبة بينما هنا عن المريض الذي يريد ان يجد لنفسه مساحة داخل الحياة.





إذا كانت تلك هي القصة بمعانيها فلا شك أيضًا أن ديفيد أو راسل كان يحتاج لطاقم تمثيلي يقوم بإيصال هذ الشخصيات المجتمعية البسيطة ولكن ذات الحالة النفسية المعقدة بشكل أيضًا يتمثل في البساطة والعفوية. وقبل أن أشاهد الفيلم وعندما قرأت عن طاقمه قبل نزوله لم أتحمس له فالأسماء البارزة فيه المتمثلة في برادلي كوبر الذي لم تجذبني أفلامه واختياراته للأدوار ضعيفة. جينيفر لورانس لم أتتبعها على الرغم من بزوغ نجمها عام 2010 عندما ترشحت لأول أوسكار في سن صغيرة عن عمر 20 سنة في فيلم (Winter's Bone) وأعقبته بسلسلة أفلام ناجحة على مستوى شباك التذاكر مثل (رجال إكس) و(ألعاب الجوع). أما النجم الكبير روبرت دينيرو فاختيارته منذ مدة غير جيدة وآخر دور جيد شاهدته له كان في فيلم (Every Body's Fine) عام 2009. ولكن من الجيد أن خابت توقعاتي لأنه وببساطة قدم الثلاثي أداء ينساب للمشاهد متقمصي شخصياتهم باقتدار بالإضافة إلى الممثلة جاكي ويفر والممثل الشهير بسلسة (Rush Hour) كريس تاكر.

برادلي كوبر المريض، سريع الاستفزاز، الباحث عن التغيير، المتحلي بالإيجابية. جينيفر لورانس العدوانية نوعًا ما، المكتئبة، المقايضة، الغاضبة، الشاعرية والباحثة عن الحب. العجوز روبرت دينيرو الأب الذي يعاني نوعًا من الوسواس القهري، الساخر في تعليقاته أحيانًا، القلوق على مستقبل مشروعه وكذلك على ابنه وشعوره بالندم على عدم الاهتمام به. جاك ويفر لم يكن عليها إلا أن تكون الأم الحنون الخائفة على ابنها لدرجة أنها تخاف أن تكذب عليه وإن كان ذلك في صالحه وقد نجحت في ذلك. أخيرًا كريس تاكر كان حاضرًا في مشاهده القليلة بخفة ظله ومرحه وابتسامته. ديفيد أو راسل يثبت مرة أخرى أنه قادر على إدارة طاقمه التمثيلي وذلك بإعطائهم المساحة الكافية كي يبرعوا في أداء شخصياتهم كما هو الحال في فيلمه السابق (The Fighter) الذي كانت نتيجته ترشح ثلاث من طاقم التمثيل وفوز اثنين منهم لأول مرة وهم كريستيان بيل وميليسا ليو بالإضافة إلى ترشح آيمي آدمز وجميعهم رأيناهم في أدوار مختلفة عن ما سبق قدموه. في هذا الفيلم لا شك أن الجميع - برادلي كوبر، جينيفر، دينيرو وجاكي ويفر - استحقوا الترشيح للأوسكار مع فوز لجنيفر باستثاء كريس تاكر الذي لم يرشح. وهو من أفضل طاقم الأفلام هذا العام إن لم يكن الأفضل.

جينيفر لورانس الفائزة بجائزة أوسكار أفضل ممثلة رئيسية
وبالحديث عن الجوائز، أرى أن فوز جينيفر بالأوسكار بعد تنافس شرس مع جيسيكا جاستين كان أكثر دقة وذلك ليس سوء في جيسيكا بل على العكس فقد كان أداؤها علامة بارزة في فيلم (Zero Dark Thirty) ولكن جينيفر شخصيتها كانت أكثر تعقيدًا. كما أن الأوسكار أحسنت في ترشيحها لدينيرو وبينما لم تصب البافتا والجولدن جلوب بعدم الترشيح. والأهم من ذلك في رأي المتواضع أن نص الفيلم المقتبس كان أكثر اسحقاقًا عن الفيلم الفائز (Argo) والبافتا كانت أكثر صوابًا عندما توجت الفيلم بهذه الجائزة. الفيلم كان الأول منذ فيلم Reds عام 1981 الذي يتم ترشيح طاقمه في فئات التمثيل الأربعة. والفيلم الأول منذ رائعة كلينت إيستوود (Million Dollar Baby) يتم ترشيحه لجوائز الأوسكار الخمسة الرئيسية وهي أفضل فيلم، أفضل نص، أفضل مخرج، أفضل ممثل رئيسي وأفضل ممثلة رئيسية.


الحوارات في الفيلم كانت بسيطة جدًا معبرة عن حالة شخوصها والإحساس بهم كما هو حال الحوار بين بات وتيفاني في المطعم يعبر عن رحلة تيفاني الحزينة وحالت بات الذهنية التي تجعله يطرح الأسئلة ويخرج الكلام دون مراعاة لمدى ملائمته لحالة الشخصية الأخرى ونفسيتها. كذلك هو حال المَشاهد التي انطبع الكثير منها في ذاكرتي مثل الحوار في المطعم الذي ذكرته في الأعلى، مشهد بحث بات عن شريط زواجه، ومشهد الرقص الأخير. أما بالنسبة للموسيقى التصويرية فلم يختلف ديفيد كما هو الحال في فيلمه السابق (The Fighter) باستبدالها غالبًا بأغاني جميلة مناسبة.

باختصار شديد جدًا أرفع القبعة لديفيد أو راسل كمخرج والأكثر منه ككاتب لعمل فيلم بسيط، عفوي، وفي نفس الوقت جميل، رائع، مبهج ومفرح وقد رسم الابتسامة على وجهي.

الثلاثاء، 1 يناير 2013

The Hunt

 

المقدمة والقصة

في ظل زحمة أفلام هولييود المعتادة كل عام والتي لم تأتي بالنسبة لي إلى الآن بفيلم عظيم. قررت أني أتوجه بقائمة مشاهدتي إلى الأفلام غير هوليوودية من حول العالم وكان الاختيار على الفيلم الدنماركي The Hunt.

فيلم The Hunt هو فيلم من إنتاج عام 2012 يتحدث عن شخصية لوكاس مدرس في روضة أطفال يعيش حياة وحيدة ويصارع حتى يحصل على حضانة ابنه من طليقته ولكن بمجرد أن تبدأ الأمور في التحسن وتأخذ مجراها حتى تظهر كذبة بريئة عليه تدمر حياته بشكل كامل.

فيلم The Hunt هو من الأفلام التي أستطيع أن أطلق عليها أفلام دراما بحته Pure Drama من غير أن يخالطها أي نوع آخر جريمة، إثارة أو كوميديا ولكن تستمتع فقط بقصة إنسانية اجتماعية بسيطة مع بناء متين للحبكة والشخصيات وأداءات تمثيلية قوية.

السيناريو والأفكار

الفيلم يطرح مدى تأثير كذبة وافتراءة على حياة شخص ما وبالتحديد إذا ما كانت كذبة بريئة غير مقصودة ومتعلقة بقضية اجتماعية حساسة ويحسب للنص إنه على الرغم من حساسية الموضوع المتعلقة بها الكذبة إلا إنه ما استغرق فيها وكبر منها وتحول لها وحتى لا يتوهم المشاهد إنه الفيلم يناقش هذه القضية. ولكن الفيلم ظل محافظ على الفكرة الأصيلة له التي يناقشها وهي الكذبة والافتراءة على شخص ما وتأثيرها على حياته.

من نقاط قوة نص الفيلم هو اختياراته التي وضع الشخصية بها. فشخصية لوكاس كان من الممكن أن تكون لشخص يعيش حياة مستقرة وسعيدة سواء أعزب أو متزوج وكانت في النهاية أيضَا نتيجة الكذبة التي ألقيت عليه سوف تكون ليست بالبسيطة وعواقبها وخيمة ولكن اختيارات كاتب النص لشخصية لوكاس أن تكون وحيدة وتصارع من أجل استقرارها وحصولها على أشياء بسيطة لسعادتها في الحياة وتشمل الحب وحضانة ابنه أضافت طبقات أجمل وأروع لمعاناة الشخصية في الفيلم وما مرت به وحجم خسائرها. ومع حجم الخسائر التي تواجهها شخصية لوكاس فإن نص الفيلم يقدمها بشكل تدريجي وفي كل مرة تشعر معاها أن الكذبة التي ألقيت عليه بمثابة معول تقوم بهدم قدر أكبر من حياة لوكاس حتى نصل لمشهد الانهيار التام للشخصية أو كما اسميه Melting Down ليكون من أروع مشاهد الانهيار التي شاهدتها في حياتي.

لنصل بعد ذلك للمشهد النهائي للفيلم وهو من أفضل مشاهد النهايات التي شاهدتها وتدفعك في لحظة تفكير إلى أي درجة تأثير فكرة أن تطارد كذبة ما حياة شخص مدى الحياة وتربطنا بعنوان الفيلم الصيد.

الأداء التمثيلي

الأداء التمثيلي لطاقم العمل كان على أعلى مستوى ولا غبار عليه وبالأخص صديق لوكاس المقرب شخصية ثيو وصراعه النفسي في أن تصديق الكذبة التي قيلت على لوكاس أو نفيها والوقوف بجانب صديقه مع تجسيد لمعاناة الصراع في آخر ثلاث مشاهد من الفيلم رائعة. والأداء الثاني كان لابن لوكاس شخصية ماركوس وخوضه معاناة والده وتأثير الكذبة على حياته أيضًا والأداء الأخير لبطل الفيلم الرئيسي الممثل الدنماركي الشهير مادس مكيلسين والذي اشتهر بعد أداءه لدور المجرم في فيلم بوند الأول من السلسلة الجديدة من بطولة دانيال كريج سنة 2006 Casino Royal وكان انطلاقة قوية للسلسلة ومميزة في كل شيء حتى في دور عدو بوند الذي جسده مادس. مادس هنا يقدم أداء أبسط ما يقال عنه أنه متناسق ومتصاعد وذائب في حالة الشخصية مع أحداث الفيلم واستحق من خلاله جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي ومعه أيضًا حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم في المهرجان مع ترشحه لجائزة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار والجولدن جلوب والبافتا.