الخميس، 4 أبريل 2013

Silver Linings Playbook

بطاقة الفيلم:
النوع: دراما، كوميدي، رومانسي
إخراج وكتابة: David O. Russell
الطاقم التمثيلي: Bradley Cooper, Jennifer Lawrence, Robert De Niro, Jacki Weaver, Chris Tucker
مدة الفيلم: 122 دقيقة
تاريخ الإطلاق: 20 ديسمبير 2102
ميزانية الإنتاج: 21 مليون دولار
أرباح شباك التذاكر الأمريكي: 132,088,910$



احترت أن أصف شعوري تجاه الفيلم منذ بداية المراجعة أم احتفظ به لاحقًا، فوجدت نفسي تخبرني أن أتوجه بالحديث عن صاحب العمل الأول من باب التقدير المخرج والكاتب الأوسكاري - ترشيحًا وليس فوزًا - دايفيد أو راسل. لاشك أن ديفيد كان أحد المخرجين منذ فترة بسيطة جدًا الغير معروفين وقد خاض تجربة إخراج الأفلام الروائية إلى ما قبل عامين سبع مرات منها فيلم وثائقي وفيلمان قصيران، وأشهر هذه الأفلام كان فيلم (The Three Kings) عام 1999 من بطولة الثلاثي جورج كلوني، مارك والبرج وآيس كيوب ولم يلقى الفيلم ذلك الإعجاب والثناء فضلأً عن أن يُخلد في الذاكرة. عام 2010 كانت بداية الشهرة والنجاح لديفيد عندما توحد مرة أخرى للعمل مع مارك والبرج في الفيلم الأوسكاري (The Fighter) وكان من نصيب ديفيد الترشح لجائزة أفضل مخرج. في الحقيقة أنه على الرغم من بقاء اسم ديفيد كمخرج عالق في ذهني لإعجابي بفيلمه (The Fighter) إلا أنه لم أكن أتوقع وأضع في الحسبان أن يضرب مرة أخرى بفيلم هو من أفضل ما شاهدت عام 2012 فيلم (Silver Linings Playbook) أو (كتاب مسطر بالفضة)يحكي الفيلم باختصار عن بات  الذي يخرج من مصحة عقلية بعد قضاء ثماني أشهر بها محاولًا استعادة زمام الاستقرار في الحياة ويواجه حالته الجديدة مع عائلته والأصدقاء والمجتمع واستعادة زوجته على أنه في المقابل يلتقي بتيفاني الفتاة التي تعاني أيضَا من مشاكلها الخاصة.


المخرج ديفيد أو راسل

يضع ديفيد أو راسل نفسه هذه المرة ككاتب إلى جانب الإخراج ويصنع سيناريو الفيلم - المقتبس عن رواية بنفس العنوان - بلا تعقيد ولا تكلف ليضعنا أمام نموذج لإحدى العائلات الأمريكية البسيطة التي تعاني نوعًا من التفكك في النسيج الإجتماعي، فنجد رب الأسرة بات الأب غارق في لعبة المراهنات الرياضية التي يمارسها من أجل مشروعه الخاص. إلى جانب خوف الأسرة وقلقلها على بات الإبن بعد خروجه. في المقابل تأتي الفتاة تيفاني من بعيد لكي تُعيد تشكيل حياة هذه الأسرة بشكل مباشر وغير مباشر نتيجة علاقتها مع بات الإبن. وهنا كأن ديفيد أو راسل بفيلمه يعيدنا إلى الفيلم المفضل عند الكثيرين للنجم كيفين سبيسي – الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم - من العقد التسعيني (The American Beauty) للمخرج الفائز بالأوسكار سام منديز والذي كان يناقش أيضًا مشكلة التفكك الإجتماعي ضمن نطاق عائلتين أمريكية الرابط بينهما شاب وفتاة ليكشف من منظوره الجمال المزيف الذي يتم الترويج له في تلك الفترة عن العائلة الأمريكية النموذجية.

لا يكتفي ديفيد في السيناريو بهذا الأمر بل أنه يرينا كيف يكون تعامل المجتمع ونظرته لنموذجين من الأفراد يحاولا التعافي على المستوى النفسي والعودة للانخراط إليه بشكل طبيعي ولكن ذلك يُقابل بالصدود كما هو الحال مع تيفاني التي تحاول أن تتناسى وتخرج من حالة الإكتئاب الناتجة عن وفاة زوجها وذلك بالإنخراط في علاقات عابرة أدت إلى فصلها من عملها. والفرد الآخر هو بات الإبن الذي يحاول أن يستعيد أصدقاءه، عمله وقبل ذلك زوجته. فالمجتمع أحيانًا قد يكون بنفسه هو المثبت والمحطم والقاتل لأي تشافي وبل قد يصنع المجانين.

 في المقابل لا يتركنا ديفيد بنظرة واحدة وهي النظرة المجتمعية وإنما ينتقل بنا إلى كفاح بات وتيفاني في العودة للحياة. فتيفاني تجد ضالتها ومن قد تحبه في بات وتحاول أن تحقق حلمها في المشاركة بإحدى حفلات الرقص الذي يُعتبر أحد هوايتها. أما بات فإنه يحاول أن يُظهر للجميع كم هو طبيعي ويرغب في التغيير وكمية الإيجابية التي يحتفظ بها وأن يكون مساعدًا لتيفاني في حالتها اليائسة ويُلبي أحد المرات رغبة والده في أن يكون تميمة حظه وأخيرًا أن يكون مباركًا لأخيه على الرغم من محاولة الأخير لإغاظته. عنوان الفيلم بحد ذاته ذكاء، فتيفاني كانت تحكي لبات خلاصة إحدى الكتب الروائية وذكرت في نهاية الخلاصة أن الجنس البشري بائس وغير مسطر بالفضة وذلك بمعنى أنه لا يوجد فيه أمل ولكن نجد أنه مع مرور أحداث الفيلم وبنهايته يصنع بات وتيفاني كتابهم المسطر بالفضة.

 الفيلم يتحدث عن كيف أن موقف واحد قد يغير حياتك للإيجاب أو السلب فلولا ما حدث لبات من خيانة زوجته لما كان يحاول أن يتغير على عدة أصعدة بأن يقرأ ويمارس رياضة الجري ليخسر الوزن وبل حتى على المستوى السلوكي. كذلك يستعرض الفيلم كيف أنك من قد تراهم مجانين قد يكونون سبب ومفتاح للسعادة وهذا يتمثل في موقفين الأول الإيجابية التي حملها بات لصديقه كي يُبقي على زواجه. والثاني هو دفع تيفاني لبات الأب أن يقبل أخطر عملية مراهنة سوف تكلفه خسارتها كل شيء. وكيف أن بات الإبن هو في النهاية على الأقل جزئيًا حصيلة بات الأب سريع الإنفعال والغضب. في الحقيقة أن من يلاحظ سوف يجد أن ديفيد أو راسل صنع فيلمه الأخير مشتركًا مع فيلمه السابق (The Fighter) في فكرة رئيسية وموضوع واحد وهو عن الأسرة وعلاقاتها الشائكة وسببها لحالة الإختناق للبطل الرئيسي والمساهمة في بناء حياته السيئة ولو جزئيًا ومساهمة الوافد من الخارج – أي الفتاة – في إصلاح تلك الحياة والمختلف أن ذاك الفيلم كان يدور على خلفية الملاكم الذي يريد أن يجد مكانه داخل الحلبة بينما هنا عن المريض الذي يريد ان يجد لنفسه مساحة داخل الحياة.





إذا كانت تلك هي القصة بمعانيها فلا شك أيضًا أن ديفيد أو راسل كان يحتاج لطاقم تمثيلي يقوم بإيصال هذ الشخصيات المجتمعية البسيطة ولكن ذات الحالة النفسية المعقدة بشكل أيضًا يتمثل في البساطة والعفوية. وقبل أن أشاهد الفيلم وعندما قرأت عن طاقمه قبل نزوله لم أتحمس له فالأسماء البارزة فيه المتمثلة في برادلي كوبر الذي لم تجذبني أفلامه واختياراته للأدوار ضعيفة. جينيفر لورانس لم أتتبعها على الرغم من بزوغ نجمها عام 2010 عندما ترشحت لأول أوسكار في سن صغيرة عن عمر 20 سنة في فيلم (Winter's Bone) وأعقبته بسلسلة أفلام ناجحة على مستوى شباك التذاكر مثل (رجال إكس) و(ألعاب الجوع). أما النجم الكبير روبرت دينيرو فاختيارته منذ مدة غير جيدة وآخر دور جيد شاهدته له كان في فيلم (Every Body's Fine) عام 2009. ولكن من الجيد أن خابت توقعاتي لأنه وببساطة قدم الثلاثي أداء ينساب للمشاهد متقمصي شخصياتهم باقتدار بالإضافة إلى الممثلة جاكي ويفر والممثل الشهير بسلسة (Rush Hour) كريس تاكر.

برادلي كوبر المريض، سريع الاستفزاز، الباحث عن التغيير، المتحلي بالإيجابية. جينيفر لورانس العدوانية نوعًا ما، المكتئبة، المقايضة، الغاضبة، الشاعرية والباحثة عن الحب. العجوز روبرت دينيرو الأب الذي يعاني نوعًا من الوسواس القهري، الساخر في تعليقاته أحيانًا، القلوق على مستقبل مشروعه وكذلك على ابنه وشعوره بالندم على عدم الاهتمام به. جاك ويفر لم يكن عليها إلا أن تكون الأم الحنون الخائفة على ابنها لدرجة أنها تخاف أن تكذب عليه وإن كان ذلك في صالحه وقد نجحت في ذلك. أخيرًا كريس تاكر كان حاضرًا في مشاهده القليلة بخفة ظله ومرحه وابتسامته. ديفيد أو راسل يثبت مرة أخرى أنه قادر على إدارة طاقمه التمثيلي وذلك بإعطائهم المساحة الكافية كي يبرعوا في أداء شخصياتهم كما هو الحال في فيلمه السابق (The Fighter) الذي كانت نتيجته ترشح ثلاث من طاقم التمثيل وفوز اثنين منهم لأول مرة وهم كريستيان بيل وميليسا ليو بالإضافة إلى ترشح آيمي آدمز وجميعهم رأيناهم في أدوار مختلفة عن ما سبق قدموه. في هذا الفيلم لا شك أن الجميع - برادلي كوبر، جينيفر، دينيرو وجاكي ويفر - استحقوا الترشيح للأوسكار مع فوز لجنيفر باستثاء كريس تاكر الذي لم يرشح. وهو من أفضل طاقم الأفلام هذا العام إن لم يكن الأفضل.

جينيفر لورانس الفائزة بجائزة أوسكار أفضل ممثلة رئيسية
وبالحديث عن الجوائز، أرى أن فوز جينيفر بالأوسكار بعد تنافس شرس مع جيسيكا جاستين كان أكثر دقة وذلك ليس سوء في جيسيكا بل على العكس فقد كان أداؤها علامة بارزة في فيلم (Zero Dark Thirty) ولكن جينيفر شخصيتها كانت أكثر تعقيدًا. كما أن الأوسكار أحسنت في ترشيحها لدينيرو وبينما لم تصب البافتا والجولدن جلوب بعدم الترشيح. والأهم من ذلك في رأي المتواضع أن نص الفيلم المقتبس كان أكثر اسحقاقًا عن الفيلم الفائز (Argo) والبافتا كانت أكثر صوابًا عندما توجت الفيلم بهذه الجائزة. الفيلم كان الأول منذ فيلم Reds عام 1981 الذي يتم ترشيح طاقمه في فئات التمثيل الأربعة. والفيلم الأول منذ رائعة كلينت إيستوود (Million Dollar Baby) يتم ترشيحه لجوائز الأوسكار الخمسة الرئيسية وهي أفضل فيلم، أفضل نص، أفضل مخرج، أفضل ممثل رئيسي وأفضل ممثلة رئيسية.


الحوارات في الفيلم كانت بسيطة جدًا معبرة عن حالة شخوصها والإحساس بهم كما هو حال الحوار بين بات وتيفاني في المطعم يعبر عن رحلة تيفاني الحزينة وحالت بات الذهنية التي تجعله يطرح الأسئلة ويخرج الكلام دون مراعاة لمدى ملائمته لحالة الشخصية الأخرى ونفسيتها. كذلك هو حال المَشاهد التي انطبع الكثير منها في ذاكرتي مثل الحوار في المطعم الذي ذكرته في الأعلى، مشهد بحث بات عن شريط زواجه، ومشهد الرقص الأخير. أما بالنسبة للموسيقى التصويرية فلم يختلف ديفيد كما هو الحال في فيلمه السابق (The Fighter) باستبدالها غالبًا بأغاني جميلة مناسبة.

باختصار شديد جدًا أرفع القبعة لديفيد أو راسل كمخرج والأكثر منه ككاتب لعمل فيلم بسيط، عفوي، وفي نفس الوقت جميل، رائع، مبهج ومفرح وقد رسم الابتسامة على وجهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق