السبت، 2 أبريل 2022

The Batman

 بطاقة الفيلم:

النوع: جريمة، دراما وأكشن.
إخراج: Matt Reeves
كتابة: Matt Reeves & Peter Craig
بطولة: Robert Pattinson, Paul Dano, Zoe Kravitz, Collin Farrell, Jeffery Wright, John Turturro, Andy Serkis
مدة الفيلم: ساعتين و 56 دقيقة
الإعلان الدعائي

الكلام بالخط الأحمر يحتوي على حرق

القصة

تُحكى بعد سنتين من كفاح باتمان للجريمة ليتتبع بعدها سلسلة من الجرائم يقوم بارتكابها رجل الأحاجي أو الألغاز (ريدلر) برسائل موجهة إلى باتمان ليكتشف معها مدى تجذر وعمق الفساد في مدينة جوثام وتورط شخصيات كبيرة وتشابك جهات مختلفة وتلقي بظلالها على ماضي أسرته.

الرؤية

منذ مشاهدة الترايلر (الإعلان الدعائي) الأول للعمل ومع تتابع الإعلانات الدعائية الأخرى فالفيلم كان يعطي انطباع واضح عن الرؤية الجديدة والمختلفة والمميزة له. فالمخرج مات ريفز قرر أن تكون النسخة الجديدة من باتمان تقارب وتلامس أفلام النُوار (Noir) في أجوائها.

وأفلام النُوار كانت موجة جديدة من الأفلام تُصنع في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي قادمة من فرنسا نتيجة قرار المخرجين أن يقوموا بصناعة أفلام تعبر عن أصواتهم بعيدًا عن تحكم استوديوهات الإنتاج الكبرى. ونتيجة انخفاض الميزانية فكانوا يعمدوا إلى الإضاءات القاتمة في التصوير مما يعطي أجواء مظلمة بالإضافة إلى قصصها السوداوية. حتى أن كلمة نُوار (Noir) كلمة فرنسية تعني قاتم أو مظلم أو سواد.

وتمتاز بالبطل الذي كان في الغالب محقق – ليس شرطًا - يتم التلاعب به حتى تصبح الأمور في لحظة ما خارج سيطرته تجعله يدخل في معضلة أخلاقية ضمن محيط من الفساد مع الوجود العنصر النسائي Femma Fatale الذي قد يكون نفسه بمثابة خطر على شخصية البطل مع أجواء المدينة التي تميل للبرودة والضبابية وماطرة واسترسال البطل في لحظات من الفيلم لاستخدام التعليق الصوتي Voice Over للتعبير عن خلفيته وما يجري حوله ويدور في ذهنه. على مدار عقود كانت وما زالت أفلام النُوار تُقدم وإن لم تكن في نفس الأجواء بالضبط ولكن تتشارك من فيلم إلى آخر في بعض خيوط الطرح والإخراج بل حتى فيلم باتمان من ثلاثية نولان The Dark Knight به ستايل النُوار فيلم.

وهنا نجد كذلك لأول مرة تظهر شخصية باتمان في دور المحقق بشكل بحت تنغمس في حل سلسلة من الجرائم ينتقل من خلالها من لغز إلى آخر ليتم التلاعب به ضمن محيط ينبض بالفساد على المدينة بيد من يحكموها ويتولوا مقاليدها في أجواء سوداوية وكادرات مظلمة.

هي نسخة أكثر سوداوية من ثلاثية كريستوفر نولان من حيث الأجواء كمدينة لا ترى من خلالها مساحة للنور إلى نهاية أحداث الفيلم عندما ينبثق الصبح معها كناية عن الأمل لغد أفضل لجوثام ولا ترى فيها مناسبة للفرح وغارقة في الظلام وأكثر ما يخالط هذا الظلام هو درجات اللون الأحمر المستخدمة في الإضاءة والألوان التي تعكس أحد ثيمات الفيلم للرغبة في الانتقام عند شخصياته من باتمان والمرأة القطة وريدلر والشعب كذلك. هي النسخة الأكثر قذارةً شاهدتها من مدينة غوثام على مدار جميع الأفلام السابقة.

أكثر سوداوية على صعيد شخصية بروس واين من حيث انعزاليته وانغماسه الشديد في محاربة الجريمة وعدم حرصه على إظهار نفسه للعلن وأن يتنكر تحت غطاء أنه ثري لعوب وبل حتى تشعر أنه يتنكر لشخصيته كبروس واين ولا يريد أن يكون ذلك الطفل ذو العشر سنوات تسبب في مقتل والديه وأن ما يقوم به يوميًا بزي باتمان هو بمثابة التكفير عن هذا الذنب ومحاولة للتشافي والابتعاد عن أي حمل عاطفي. وحتى أنه يقول على لسانه لا يجد سبيل للراحة ولا النوم وخلاصه الوحيد هو في كتابة مذكراته حتى لا ينسى يومه وللدرجة أنه يرى معها محاربة الجريمة هذا ميراث عائلته. ومع انغماسه فقد الإحساس بمن حوله وغريزة الخوف على من يحبهم وبل قد يكون تنفيرهم كما هو حال علاقته مع خادمه المخلص آلفريد وحتى في شكله الأقرب إلى أتباع طائفة الجوثيك وتشعر بضعفه الشديد أمام المرأة التي أصبح يكن لها شعور في ظل بؤسه ويأسه وكل ذلك كان بتجسيد كامل متكامل من روبرت باتينسون.

وكانت افتتاحية الفيلم متسقة مع الرؤية حيث من البداية نشهد على أول جريمة وكأننا كذلك في مشهد من أفلام الرعب السلاشر (Slasher)، لننتقل بعدها إلى المشهد التقديمي لشخصية باتمان والتعرف عليها على لسان صاحبها باستخدام Voice Over وما تتكبده وتعانيه جراء كفاحها للجريمة على مدار سنتين وانعكاس ذلك على المدينة ونظرة المجرمين له في تصاعد لهذا التأثير والانعكاس في سلسلة من المشاهد مدموجة مع موسيقى رائعة تدور أحداثها في ليلة الهالوين تجعل هذا المقدمة واحد من أفضل التقديمات لشخصية ما شاهدتها مؤخرًا.

من النقاط التي أعجبتني في الفيلم أن ماضي بروس واين المعروف لمحبي الشخصية ومتابعي السلسلة لم يتم إعادة تدويره وعرضه المتمثل في جريمة مقتل والديه بالمشهدية المعروفة وإنما الاكتفاء بسرديته ضمن سياق الضرورة له ولكنك ترى تأثير هذا الماضي في نظرات بروس واين عندما يلقى طفل شبيه له في نفس الحالة وكذلك الطرح الغير مثالي لعائلة بروس واين.

الشخصيات الأخرى

أحد أبرز عوامل الحماس كانت في انتظار النسخة الجديدة لباتمان هي أن أحد الأشرار وهو الشرير الرئيسي شخصية ريدلر التي لم نشهدها في أفلام سابقة منذ نسخة فيلم 1997 والتي كانت هزلية جدًا. ريدلر كان شخصية ذكية مجنونة كحال جوكر نولان لها فلسفتها وثيمتها المتعلقة بالأكاذيب وفضحها وكانت أكثر غموضَا لعدم رؤيتها إلا خلف الشاشات بقناعها حتى تقريبًا انقضاء ساعتين من العمل. ولكن في رأي لا يزال لا يوجد شرير ضمن جميع أفلام باتمان السابقة مشاهدته ممتعة مثل جوكر نولان الذي يكفي أن تتنقل بين مشاهده الواحد تلو الآخر في انفصال تام عن الفيلم دون أدنى ملل لتستمتع بالحوارات التي تدور على لسانه واللزمات الخاصة به وفلسفة الشر التي لديه.  ولعل هذا تحدي كبير للمخرج مات ريفز أن يخرج بثلاثيته الخاصة وأحد بصماته فيها شرير يبقى في ذكرانا إلى الأبد والتحدي الأكبر سوف يكون على الجوكر الخاص به في الجزء القادم من السلسلة. ولعل أيضَا ما يجعل أصلًا شخصية الجوكر هي الأرهب دائمًا من ضمن أعداء باتمان كونها الأكثر جنونًا وثراءً بين الشخصيات الأخرى وجعلها في قوالب مختلفة كرجل العصابات لجوكر جاك نيكلسون وجوكر الفوضى لنولان وجوكر المريض النفسي لواكين فينيكس.

شعرت أن في الفيلم مساحة تلاقي كبيرة مع الجزء الثاني من ثلاثية نولان في فيلم (فارس الظلام). ليس على مستوى الأجواء ووجود فلسفة للشرير فحسب، وإنما حتى لقاء ريدلر وباتمان كما كان بين باتمان والجوكر في السجن بحوار فلسفي ورؤية ريدلر لباتمان أنه شبيه له والنهاية الاستفزازية لباتمان التي تجعله أمام معضلة أكبر. واقتياد ريدلر للشرطة له حتى تقبض عليه وصنيعة أتباع له من الشعب يصبحوا مهوسين بتقليده ويضعوا قناعه، كلها بمثابة تشابهات مع جوكر نولان. وشعرت أن أداء بول دانو قلب استعراضي ومسرحي نوعًا ما في لحظات من المشهد الحواري في السجن مع باتمان وذكرني أيضأ بأدائه في مشهد الحوار الشهير مع دانيال داي لويس من فيلم There Will be Blood.

على الجانب الآخر فكانت رؤية شخصية البطريق أكثر متعة بالنسبة لي من شخصية ريدلر وحضوره كان طاغي بأداء كولن فاريل لها أكسبها كاريزما وتشعرك وتذكرك أنها من رجال العصابات الذين هم صنيعة سكورسيزي لها جنونها وحسها الكوميدي وكنت أتحمس معها في كل مشهد تظهر به للدرجة التي منتظر معها مسلسلها الخاص الذي تم الإعلان عنه.


المرأة القطة خلفيتها وقصتها وماضيها الذي صُنع لها هو الأوضح والأمتن والأقوى مقارنة مع شخصيات المرأة القطة الأخرى التي تم تجسيدها على شاشات السينما وأكسبت حس التعاطف معها وأداء زوي كرافيتز كان حاضر لها على المستوى الدرامي والبدني.

أعجبني حضور شخصية المفوض جوردن بشكل أكبر وأوسع هنا للمشاركة في عملية التحقيق جنبًا إلى جنب مع باتمان والثنائية التي قاموا بها التي ذكرتني لوهلة بثنائية مورجان فريمان وبراد بيت في فيلم Seven والذي بالمناسبة هو كذلك يعتبر من أفلام النُوار الشهيرة.

أعجبني كذلك طرح هذه المرة فكرة أن آلفريد خادم بروس واين ليس بذلك التقادم في العمر وعجوز وتم إيضاح خلفيته الاستخباراتية كما هو معروف في قصص الكوميك.

الموسيقى التصويرية

كانت مميزة وتعكس أجواء الفيلم وروح العمل ورؤيته وأضافت لكل مشهد صاحبته وكانت هناك ثيمات موسيقية واضحة ورائعة كثيمة الموسيقى التي تظهر في كل مرة يجتمع بها باتمان مع شخصية سيلينا في مشاهد درامية. ولكن إلى الآن لم أبحث عن الاستماع لها بشكل خارجي ومنفصل عن سياق الفيلم كحال موسيقى هانز زيمر لثلاثية فارس الظلام.

الانطباع النهائي عن تجربة المشاهدة

فيلم The Batman كان فيلم جميل ورائع استحق الانتظار واستمتعت به وفعلًا قدم رؤية مختلفة ومميزة تستحق الإشادة والاحترام.

وما زلنا ننتظر اكتمال ثلاثية مات ريفز ككل حتى نستطيع أن نحكم عليها بشكل كامل وخاصة أن هذا الجزء هو مجرد قطعة كما كان فيلم Batman Begins من ثلاثية نولان والذي اكتسب ثقله ووزنه مع مرو السنين ومع ظهور الجزء الثاني فكانت بمثابة القطعة الأصلية التي تم البناء عليها مع اعترافي أن بداية ثلاثية مات ريفز أكثر قوة من ثلاثية نولان وأصلح أن تقارن بفيلم فارس الظلام... ولكن هذا نقاش آخر طبعًا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق